الحكومة أصبحت لزوم ما لا يلزم؟

فيما ظلت الانظار مشدودة الى زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة ترقّباً لنتائجها، بعدما ظهر منها امس دعمه المطلق لإسرائيل بتوقيفه «اعلان القدس» معها، تفاعلت محلياً واقليمياً ودولياً مواقف الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله والمعادلة التي رسمها في شأن حقوق لبنان النفطية والغازية ودعوته المسؤولين الى التمسّك بهذه الحقوق واعتراف الاميركيين والامم المتحدة بها قبل ايلول المقبل، فيما رشح من محادثات الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين مع الجانب الاسرائيلي حول الاقتراح اللبناني انّ «للبحث صلة» بعد انتهاء زيارة بايدن للمنطقة عاكِساً جواً لم يخل من السلبية عن هذه المحاثات مع الاسرائيليين. وعلى وقع هذه التطورات بَدا على جبهة التأليف الحكومي ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي قد احتويا مضاعفات السجال الذي دار بينهما خلال اليومين المنصرمين عبر «لغة المصادر»، ما سيؤسّس للقاء قريب بينهما لمتابعة البحث في التشكيلة الوزارية المطروحة والملاحظات والافكار المتبادلة حولها.

وضعت سقوف التأليف الحكومي من جهتيها على ضفتي القصر الجمهوري والسرايا الحكومية في مواقف بلغت ذروتها في الأيام الماضية وحدد كل فريق مقاربته لهذا الملف، لكن كل هذا لا يفيد، كما تقول مصادر متابعة هذا الملف عن كثب لـ«الجمهورية»، لأنّ مناخات التأليف أصابتها انتكاسة من الصعب ان تعالج لا ببيان من هنا وهناك ولا بوَضع النقاط على الحروف، وحتى إذا تم اللقاء بين عون وميقاتي وهو سيتم مطلع الاسبوع المقبل، فإنه لن يغيّر شيئاً لأن ما كُتِب قد كتب ومسار الأمور ذاهب في اتجاه استحالة تأليف حكومة اصبح الجمع فيها بين معايير بعبدا واقتناعات السرايا امراً في منتهى الصعوبة».

وأضافت المصادر «ان ما لا يجرؤ احد من الطرفين المعنيين على قوله هو انّ اقتناعا ترسّخ في البلد يفيد أن لا حكومة ولا مصلحة لأحد فيها في هذا الوقت الضائع، فمعركة رئاسة الجمهورية فُتِحت واجتاز جميع الأطراف الاستحقاق الحكومي ثم انّ الاهتمام حالياً أصبح في مكان آخر فالجميع ينظرون إلى عرض البحر ينتظرون التطورات الإقليمية ولا وقت لتنفيذ بروتوكول تأليف حكومة اصبحت لزوم ما لا يلزم».

ولكن وفي ايّ حال فإنّ عون وميقاتي إحتويا أمس «حرب المصادر» و«التسريبات» التي شهدتها الايام الاخيرة حول موضوع تأليف الحكومة وصلاحيات كل منهما في هذا الاطار، فصدر أولّاً بيان عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية شددت فيه على «انّ الحاجة الماسّة اليوم هي إلى حكومة مكتملة الأوصاف الدستورية وقادرة على اتخاذ القرارات التنفيذية وليس الى بيانات وتسريبات تزيد الأمور تعقيداً». وقالت: «من المؤسف الإيحاء وكأنّ الرئاسة تُسيء الى مقام رئاسة مجلس الوزراء وما يريد الرئيس عون إعلانه يقوله بوضوح وصراحة ويصدر عنه مباشرة او عبر مكتب الاعلام». واكدت انّ عون «لم يقفل يوما باب القصر امام احد فكيف امام الرئيس المكلف؟ وهو كان ينتظر مقاربة جديدة في ضوء الملاحظات التي كان قد أبداها على التشكيلة المقترحة». ولفتت الى انّ «الدستور حدّد صراحة الآلية الواجب اعتمادها في تشكيل الحكومات ورئيس الجمهورية ليس في وارد التخلي عن شراكته الدستورية الكاملة في ذلك».

وردّ المكتب الاعلامي لميقاتي على بيان الرئاسة ببيان قال فيه «إن دولة الرئيس يُثمّن ما ورد في الفقرة الثالثة من البيان الرئاسي لجهة التنصّل مما يقوم به بعض اللصقاء برئيس الجمهورية من اساءات، وهذا امر ليس خافيا على أحد، كما يثمّن تأكيد فخامة الرئيس الحرص على عدم الاساءة الى مقام رئاسة مجلس الوزراء». وقال: «في موضوع حق رئيس الجمهورية الدستوري فإنّ دولة الرئيس أعلن انه قدم تشكيلة حكومية تشكل خلاصة اتصالاته وبَدا النقاش فيها مع فخامة الرئيس، وبالتالي فإنّ دولة الرئيس لم يقل يوماً انه يريد أن يحجب عن رئيس الجمهورية الحق في ابداء رأيه وملاحظاته، فاقتضى التوضيح».

بعبدا «تُثمّن» «التثمين»: وقالت مصادر قريبة من قصر بعبدا لـ«الجمهورية» ليلاً انّ رئيس الجمهورية قصد في بيانه أمس وضع كثير من النقاط على احرف الأزمة من جوانبها المختلفة، ولا سيما منها تشديده على الثوابت الدستورية التي تحدد دوره كشريك في عملية التشكيل، وهو دور يمارسه الى النهاية الحتمية.

وأضافت المصادر انها «تتمنّى ان تكون المرة الاخيرة للحديث عن بعض ما تَسرّب في الفترة الاخيرة، وخصوصاً بالنسبة الى موضوع الموعد الذي طلبه ميقاتي منذ فترة كما بالنسبة الى رفضه وعدم وجود اي نية للمَس بدور الرئيس المكلف وصلاحياته، وتأكيد شراكتهما في عملية تأليف الحكومة وانّ أياديه مفتوحة ومعها ابواب قصر بعبدا التي لم تُقفل يوماً أمام أحد. فكيف بالنسبة الى الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة العتيدة؟ وانه قصد أيضاً قطع الطريق على بعض المزايدات وبعض التفسيرات النافرة التي تحاول تغيير الهدف من مواقفه ومنع اي اجتهاد ليس في محله، ووَقف روايات وسيناريوهات المصادر. ولعل ما جاء به البيان يشكل آخر محاولة لوقف هذا الجدل العقيم. فالمرحلة تقتضي العمل ليلاً ونهاراً لتسهيل تشكيل الحكومة لمواجهة مسلسل الازمات التي تعصف بالبلاد».

وردت المصادر عبر «الجمهورية» على «تَثمين» بيان مكتب رئيس الحكومة بتثمينٍ مماثل، ولفتت إلى «ان مثل هذا الجدل لا يرضي ولا يفيد احد، وان العمل المطلوب يجب ان يسود من اجل تشكيل الحكومة».

وتزامناً مع المناخ الايجابي الذي اشاعه بيانا بعبدا والسرايا الحكومية، قالت مصادر مطلعة على حركة الاتصالات لـ«الجمهورية»: «انّ الاجواء بين الرئيسين ليست جيدة ولكنها ليست سيئة، ويحافظ كل منهما على هامش للحركة احتراماً لموقعَيهما للحفاظ على دور الشريكين في عملية التأليف، وانّ المشكلة تقع في مكان آخر وهو ما يحول دون ايّ تفاهم سريع. ولذلك فإن القراءة النهائية للمواقف لا يمكن الفصل في نتائجها قبل عودة ميقاتي الى بيروت حيث سيكون اللقاء الثالث حتمياً بينهما».

وأشارت معلومات «الجمهورية» الى ان ميقاتي، الذي ما زال خارج بيروت، واصَلَ اتصالاته امس مع مستشاريه وعدد من الوزراء لمتابعة الشؤون العامة وقضايا تفصيلية مختلفة تحضيراً لعودته المرتقبة في عطلة نهاية الاسبوع الى بيروت.

الجمهورية

يقرأون الآن