دخل البرلمان اللبناني المنتخب حديثاً في سباق مع الوقت، لإقرار مجموعة من القوانين الضرورية، قبل 1 سبتمبر (أيلول) المقبل، وهي المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويستعد البرلمان لعقد جلسة تشريعية في الأسبوع المقبل أو الذي يليه، تكون حافلة بمشروعات واقتراحات القوانين الملحة التي تحاكي صعوبة المرحلة التي يعبرها لبنان، محاولاً إظهار دينامية عمل فاعلة وقوية، عبر الإصرار على إقرار قوانين في ظل حكومة مستقيلة، وتحت عنوان: «تشريع الضرورة».
وبخلاف المرات السابقة التي كانت تعترض فيها كتل نيابية وازنة على عقد جلسات تشريعية في غياب حكومة دستورية ومكتملة الصلاحيات، فإن شبه إجماعٍ سياسي ونيابي الآن على إطلاق يد البرلمان وتسهيل مهمته في إقرار «قوانين الضرورة»، التي ستدرجها هيئة مكتب المجلس مطلع الأسبوع على جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس النيابي.
وعدّ عضو هيئة مكتب المجلس النائب هادي أبو الحسن أن «الواجب الوطني والسياسي يفرض على البرلمان والنواب القيام بعملهم من أجل انتظام عمل المؤسسات الدستورية». وشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «الوقت ضاغط جداً، وعلى المجلس أن يستفيد إلى أقصى حد من الفترة التي تفصلنا عن الأول من أيلول التي يتحول فيها مجلس النواب إلى هيئة ناخبة متفرغة لانتخاب رئيس للجمهورية». وقال: «علينا أن نغتنم الفرصة لإقرار القوانين، خصوصاً أن الوضع لا يبشر بالخير، وهناك خوف حقيقي من فراغ رئاسي قد ينعكس سلباً على أداء كل المؤسسات؛ بما فيها المجلس النيابي». وأشار أبو الحسن إلى أن «جدول أعمال الجلسة التشريعية سيركز على القوانين الإصلاحية المطلوبة من صندوق النقد الدولي، والتي تمثل أولوية وحاجة للشعب اللبناني قبل أن تكون مطلباً أساسياً لصندوق النقد والمجتمع الدولي».
وعما إذا كان التشريع في ظل حكومة مستقيلة ينتقص من أهمية القوانين، خصوصاً أن الحكومة هي التي تتولى تنفيذها سواء أكان بالداخل أم عبر التفاوض مع المؤسسات الدولية، أمل أبو الحسن في أن «ينجح الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت، لكن في حال تعذر تشكيلها؛ فإن المجلس سيمارس دوره التشريعي طالما أن القوانين المدرجة على جدول أعمال الجلسة متفق عليها وذات أهمية قصوى».
وتعكف هيئة مكتب المجلس النيابي برئاسة الرئيس نبيه بري على إدراج مشروعات القوانين الأساسية على جدول أعمال الهيئة العامة، وأبرزها مشروع قانون الـ«كابيتال كونترول»، ومشروع قانون رفع السرية المصرفية بعد إقراره من قبل لجنة المال والموازنة، ومشروع قانون قرض البنك الدولي المخصص لشراء القمح بقيمة 150 مليون دولار، فيما تنتظر خطة التعافي المالي والإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي وموازنة عام 2022 التعديلات التي طلبتها لجنة المال والموازنة من الحكومة حتى تنتهي من دراستها وعرضها على الهيئة العامة.
وترسم مشروعات القوانين المشار إليها علامات استفهام عن إصرار المجلس على البت فيها، ما دامت حكومة تصريف الأعمال غير قادرة على عقد جلسات لإصدار مراسيمها التطبيقية ووضعها حيز التنفيذ، غير أن الخبير القانوني والدستوري المحامي سعيد مالك، عدّ أن الدعوة لجلسات تشريعية «يجب ألا تستفز أي طرف». ولفت إلى أن «الفقرة الثالثة من المادة (69) من الدستور تنص على أنه عند استقالة الحكومة يصبح المجلس النيابي في حالة انعقاد حكمي، وذلك للحؤول دون الوقوع في الفراغ بالمؤسسات الدستورية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ما دام أن المجلس النيابي سيد نفسه؛ فيمكنه عقد جلسات في الوقت الذي يختاره، ويحق للحكومة المستقيلة أن تحضر الجلسات التشريعية، ما دام البرلمان هو من يشرع وليس الحكومة». وذكر مالك بأن الرئيس نبيه بري «اعتاد على اعتماد (تشريع الضرورة)، وهو محق بذلك؛ لأن المجلس النيابي ملزم بأن يتصدى للقوانين ذات الضرورة القصوى»، مشدداً على أن «تتسم مشروعات واقتراحات القوانين بصفة الضرورة؛ مثل القوانين الإصلاحية وخطة التعافي والأمور التي يطلبها صندوق النقد الدولي شرطاً أساسياً لأي اتفاق مع لبنان».
ومع تراجع حظوظ تشكيل حكومة جديدة نتيجة الخلاف بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه على شكلها وتقاسم النفوذ داخلها، تقترب المهلة الدستورية لدعوة البرلمان لانتخاب رئيس جديد، مما يجعل المجلس النيابي أسير الوقت الضاغط الذي يفصله عن 1 سبتمبر المقبل، ولفت الخبير الدستوري سعيد مالك إلى أن «اكتمال عقد المؤسسات الدستورية يجب أن يكون أولولة تتقدم على ما عداها، وأهمها انتخاب رئيس للجمهورية لتلافي السقوط مرة جديدة في الفراغ الرئاسي». ولفت إلى أنه «بمجرد أن يدعو رئيس المجلس (نبيه بري) المجلس إلى جلسة انتخاب الرئيس عندها لا يحق للبرلمان أن يشرع بأي حال قبل انتخاب رئيس للبلاد؛ لأنه يتحول إلى هيئة ناخبة». وقال: «إذا حدد الرئيس بري جلسة انتخاب الرئيس في النصف الثاني من أيلول (سبتمبر) أو في مطلع تشرين الأول (أكتوبر)، فحينئذٍ يحق للمجلس قبل هذه الموعد أن يعقد جلسات تشريعية؛ لأن تحويله إلى هيئة ناخبة يبدأ مع توقيت أول جلسة لانتخاب الرئيس وليس قبلها».
يوسف دياب - الشرق الأوسط