إقتصاد

الحكم بالموت البطيء بحق المعامل الكهرمائية... ندفع ثمنه اليوم ظلاماً

الحكم بالموت البطيء بحق المعامل الكهرمائية... ندفع ثمنه اليوم ظلاماً

في ليالي لبنان الظلماء، تُفتقد المعامل الكهرمائية. وحدات إنتاج صغيرة على الطاقة الهيدروليكية نوّرت أكثرية المناطق منذ زمن الانتداب، صمدت أيام الحرب، وصدئت في عهد الصفقات. معمل رشميا واحد من هذه المعامل الستة عشر. يقف اليوم في قضاء عاليه شاهداً على سوء إدارة الموارد المائية والكهربائية، في بلد وظف مسؤولوه ثرواته الاستثنائية لخدمة مصالحهم الشخصية عن جهل أو علم.

منذ ثلاث سنوات ونصف السنة توقف "قلب" معمل رشميا عن "الخفقان" كلياً بعد مسيرة مضيئة استمرّت منذ العام 1932. عارض انقطاع "وريده"، كان قد سبقته على مدار السنوات الماضية "تجلطات" قللت تدفق المياه في أوعيته، وحرمت "توربيناته" من الضغط الكافي للعمل بكفاءة عالية. فأتى انقطاع خط التغذية الأساسي الممتد من بحيرة كفرنيس في العام 2019، "ليقضي أمراً كان مفعولاً"، بعدما تحول المعمل إلى "معمل شتوي"، يعمل لأربعة أشهر كحد أقصى على مدار العام.

معمل لقضاءين

زوّد معمل رشميا لغاية سبعينات وثمانينات القرن المنصرم نصف قضاء عاليه، وقسماً كبيراً من قضاء الشوف بالكهرباء بشكل شبه متواصل. ساعده على ذلك أمران أساسيان: ارتفاع قدرته الإنتاجية إلى حوالى 13.2 ميغاواط بعد إضافة وحدة إنتاج ثالثة في العام 1966 على الوحدتين الأساسيتين، اللتين أنشئتا في العام 1932 أيام الانتداب الفرنسي، وغزارة تدفق المياه من نبعي الصفا والقاع، وتجمّعها في بحيرة كفرنيس التي حفرت خصيصاً لتأمين ضغط المياه الكافي إلى المعمل.

شح المياه

مع عودته لإدارة المعمل بعد انقطاع فرضته الحرب الأهلية لاحظ مدير المعمل للفترة (1985 - 2001) المهندس داوود خوري، شحّ المياه نتيجة تحويل قسم كبير منها للري والشفة بمراسيم حكومية. وقد استطاع بالتنسيق مع وزير الطاقة آنذاك الراحل إيلي حبيقة وفريق عمله وقف التمادي بسحب مياه المعمل والمحافظة على الحد الأدنى لتشغيله. فكان ينتج المعمل الكهرباء لحوالى 5 أشهر في الشتاء بقوة تصل إلى حوالى 10 ميغاواط، تشكل نحو 70 في المئة من أقصى طاقته الإنتاجية، وتبدأ بالانخفاض تدريجياً لتتوقف كلياً في شهر أيلول من كل عام لغاية كانون الثاني"، حسب المهندس خوري.

ظلت الأمور على هذه الحال لغاية العام 2001. ففي هذا التاريخ أخذت مصلحة مياه الباروك قسطلاً بسعة 6 إنشات من نبع الصفا، و"أصبحت المياه تقطع عن المعمل من شهر حزيران ولغاية كانون الثاني، أي لفترة تزيد عن 8 أشهر"، يقول المهندس خوري. فتقلّصت الفترة الزمنية للتغذية بالكهرباء إلى حدود 5 أشهر في السنة لغاية 2019، حين أدّى زحل التربة في قرية كفرنيس إلى شق القسطل الأساسي، وإيقاف المعمل كلياً عن العمل، ريثما يجرى إصلاح العطل".

على الوعد

محاولات إصلاح العطل والتنعم بكحل كهرباء المعمل لخمسة أشهر في السنة، بدلاً من عمى المعامل الحرارية باءت بالفشل. فـ"الشركة التي كلفت وصل القسطل وتأهيل قواعده، عمدت إلى تلحيمه، بدلاً من قصه وتكبيسه ببعضه البعض بالطريقة نفسها التي صممه فيها الفرنسيون"، يقول رئيس بلدية كفرنيس د. سليمان لبس، "الأمر الذي رفضه مدير المعمل الحالي كون أي انفجار للقسطل، يهدد بلدة الرملية الواقعة تحته بطوفان، ويلحق بها أضراراً فادحة". ويفيد لبس بأن رئيس مصلحة المعامل المائيّة والطاقة المتجدّدة في "كهرباء لبنان" المهندس فادي بو خزام تواصل معهم، واعداً باستقدام شركة أجنبية لتأمين إصلاح الخط وتأمين الصيانة المطلوبة، ولكن لغاية الآن لم يصل أحد بعد، رغم تهيئة طريق الوصول إلى قسطل المياه مكان الضرر.

لن يعود إلى سابق عهده

إصلاح العطل مهم، ولكنه "لا يعيد المعمل إلى سابق عهده"، يؤكد المهندس داوود خوري. فـ"المشكلة الاساسية اليوم هي في شح المياه وعدم كفايتها لتشغيل المعمل طيلة أيام السنة، بعدما تم جرّ القسم الاكبر منها إلى البساتين والمنازل. ذلك مع العلم أن مأخذ مياه نبع الصفا (prise 2) الذي تنحدر منه المياه بقناة هوائية لمسافة 500 متر لتدخل في نفق يشبه "حدوة الحصان" بطول 6 كلم ليصل إلى بحيرة كفرنيس، ومنها بقسطل إلى معمل رشميا، هو حق حصري للمعمل لتوليد الكهرباء، ولا حقوق لأي جهة أخرى فيه. في حين أن نبع القاع يغذي تاريخياً المناطق ومنه جرّ "أخوت شاناي المياه إلى قصر بيت الدين أيام الامير بشير الشهابي. وحديثاً أخذ منه فرع إلى إقليم الخروب وإلى عاليه. و"بطريقهم كانوا يأخذون من مياه نبع الصفا، حتى اضمحلت كلياً المياه في الصيف عن معمل توليد الكهرباء في رشميا"، يقول الخوري.

يغذّي المعمل في حال إصلاح العطل وصيانة توربيانته 15 قرية مجاورة فقط، ولمدة لا تتجاوز 5 أشهر. وبرأي خوري فإن إنتاج الكهرباء من المعمل سيقتصر على الأشهر الأربعة الأولى من فصل الشتاء. إذ من المستحيل إعادة المياه اليه بعدما بنيت على أساسها مشاريع زراعية ووصلت إلى المنازل في مختلف قرى الشوف وعاليه وصولاً حتى إقليم الخروب.

بين المفاضلة في حق المواطنين بالمياه، وحقهم بالكهرباء تبقى المشكلة واحدة: سوء إدارة الملف ضيّعت الكهرباء معها. فالفلسفة التي قامت عليها نظرية الاستيلاء على مياه معمل رشميا كانت عدم الحاجة إلى المعامل الكهرمائية في ظل التوسع مع بداية العام 2000 بالمعامل الحرارية. وبحسب خوري فإن النية كانت إلغاء المعمل كلياً والحصول على كامل المياه التي تغذيه للاستعمال. وعليه تحولت كميات المياه الغزيرة من الينابيع والمتساقطات إلى غير ذات جدوى بسبب الفشل في التخطيط والتنفيذ، فلا المياه أشبعت المنطقة ولا الكهرباء تأمّنت.

باستثناء المعامل الكهرمائية الثلاثة على نهر الليطاني مركبا، الاولي، وجون التي تنتج نحو 90 في المئة من الكهرباء على الطاقة الهيدروليكية، فان أغلبية المعامل غدت ذكرى رومانسية يستذكرها اللبنانيون كلما جدّ جدُّهم، وتعمّقت أزمة الكهرباء.

خالد أبو شقرا - نداء الوطن

يقرأون الآن