عربي

هل تستغل تركيا احراج موسكو وطهران وتجتاح شمال سوريا؟

هل تستغل تركيا احراج موسكو وطهران وتجتاح شمال سوريا؟

تحوّلت الحرب السورية التي اندلعت في العام 2011 بين النظام السوري بقيادة بشار الأسد وبين القوات المعارضة المسلّحة إلى صراع إقليمي ودولي، دعمت خلاله دول عدة المجموعات المختلفة المتصارعة على الأرض السورية، ولكل من هذه الدول أهدافها السياسية وإلاستراتيجية.

فقد حاولت كل من روسيا وإيران وتركيا استغلال فرصة مغادرة القوات الأميركية سوريا لتحديد ورسم مسار الحرب السورية بما يلبي تطلعاتها واهدافها الجيوسياسية.

في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزلت واشنطن حليفًا أساسيًا لها هو قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي لعبت دورًا أساسيًا في مواجهة الدولة الإسلامية (داعش). وقدمت واشنطن بتخليها عن "قسد" هدية قيّمة لتركيا، فزادت أنقرة نشاطاتها العسكرية في شمال سوريا ونفّذت أربع عمليات عسكرية للحدّ من نفوذ "قسد". وتنتظر تركيا اليوم التوقيت المناسب لخوض العملية الخامسة في شمال سوريا وتحقيق نقاط جديدة ضد حزب "العمال الكردستاني" التي أدت معاركها ومواجهاتها المستمرة معه منذ زمن إلى مقتل نحو 40 ألف شخص.

كما يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال تهديده بخوض العملية العسكرية الخامسة إلى خلق منطقة أمان تبعد مسافة 30 كيلومترًا من الحدود السورية - التركية وتؤمّن له اختراق المناطق الانفصالية الكردية.

لم يكن هدف أردوغان من مشاركته الأخيرة في القمة الثلاثية لمناقشة التطورات العسكرية في شمال سوريا إلى جانب روسيا وإيران في طهران الا الحصول على الضوء الأخضر الروسي والإيراني لتنفيذ العملية التي يسعى إليها. وقد تمت قمة طهران الثلاثية بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أجبرته حربه على كييف على نقل اهتمامه من سوريا إلى أوكرانيا.

وفي ظل الحرب الروسية الاوكرانية ووسط تعثّر المفاوضات النووية الإيرانية تسعى تركيا إلى الاستفادة من وضع طهران وموسكو الاقتصادي والسياسي المحرج، وقد لا تنتظر موافقتهما لتنفيذ عمليتها في شمال سوريا. وتحاول تركيا تذكير روسيا وإيران بالتزاماتهما تجاه الاتفاقيات السياسية والعسكرية التي لم يطبقانها على أكمل وجه، وبالأخص بعد الفشل المتكرر لمحادثات أستانة وعدم قدرة الدول الثلاث على الاتفاق على خارطة طريق واحدة ووضع مصالحهم جانبًا.

وقد تصاعد التوتر بين الدول الثلاث بسبب عدم حصول توافق على الملف السوري وفشل تأسيس مناطق آمنة في البلاد، كما ان لكل من روسيا وتركيا وإيران مطامع مختلفة ومتناقضة في سوريا، ففي حين تطالب تركيا بالحدّ من العمليات العسكرية الكردية شمال سوريا، ولم تنسَ حادثة بليون التي أدت إلى مقتل 34 جنديا تركيا نتيجة قصف الطيران الروسي لمواقعهم، ارادت روسيا من خلال دعم بشار الأسد تثبيت قواعدها في سوريا التي تؤمّن لها مواقع متقدمة وإستراتيجية في الشرق الأوسط. في المقابل، تريد إيران من خلال سوريا تأمين ممرات برية لتزويد جنودها وحلفائها، بالأخص حزب الله اللبناني، بالعتاد العسكري، وهو الورقة القوية في يدها للإستمرار في إقامة ما يُعرف "بتوازن رعب مع إسرائيل". وتثبيت نفوذ طهران الاقليمي ليس في الشرق الاوسط فقط بل للضغط على دول الخليج في اكثر من ملف وموقع. .

كل هذا الحراك والنظام السوري مغيب عن دائرة القرار، وما غياب الرئيس بشار الأسد عن قمة طهران الثلاثية إلا لإنتفاء دور النظام السوري في تحديد مصير ومستقبل بلاده بعد أن أصبح رهينة التسويات الإقليمية.

على الصعيد العسكري أصبحت تركيا في جهوزية تامّة لخوض العملية وهي تستفيد من عضويتها في الحلف الأطلسي ومن تعليق اعتراضها على المشاركة السويدية والفنلندية في المنظمة لتجنّب معارضات غربية على العملية. وقد تستخدم التهديد بتنفيذ العملية في سوريا لتغيير السلوك الفنلندي السويدي تجاه الأزمة التركية الكردية ووقف تعامل الدولتين مع المجموعات الكردية المعارضة لانقرة. من هنا قد لا تواجه أنقرة اعتراضًا سياسيًا حادًا من قبل حلف الناتو ومن موسكو وطهران في حال قررت تنفيذ عملياتها في سوريا.

فهل ستنفّذ أنقرة العملية المزمعة في شمال سوريا أم أنها تهديد تستعمله كوسيلة ضغط للحصول على الضوء الأخضر لقمع المجموعات الكردية التي تُشكّل خطرًا على أمنها واستقرارها؟

بيتر الشويفاتي - أخبار اليوم

يقرأون الآن