سنتان على انفجار مرفأ بيروت. بعض القضاء فاسد وبعضه معطّل، ولكن الأمل موجود بمن هم ضنينون على الحقيقة والقضاء معاً الذين قدّموا عريضة أمميّة، للمطالبة بلجنة تقصّي حقائق دوليّة لكشف الحقيقة في هذه الجريمة بحقّ الإنسانية. فهل سينجح هؤلاء حيث فشل بعض السياسيّين نتيجة تخاذلهم أو مهادنتهم، وحيث نجح بعضهم الآخر بفرض التعطيل أمراً واقعاً لإفشال العدالة وإخفاء الحقيقة؟
بصيص أمل يطمئن اللبنانيين اليوم في الذكرى الثانية للإنفجار المجزرة، وهو أنّ هناك من لا يزال يحمل لواء الحقيقة من خلال العريضة التي تقدم بها تكتل الجمهوريّة القويّة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. ولتبيان موقف التكتّل في هذا الموضوع كان لـ"نداء الوطن" حديث مع عضو التكتّل القاضي جورج عقيص الذي أعدّ هذه العريضة فأوضح قائلاً: "إنّ هذه العريضة مرفوعة لمجلس حقوق الانسان في جنيف. وهذا المجلس تابع للأمم المتّحدة ويُنتخَب لولاية من عدّة سنوات، وتترشّح عليه الدول، ويضمّ 47 دولة، ويجتمع كلّ ثلاثة أشهر في جمعية عامّة في جنيف، وينظر في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة حول العالم، ويبحث في الإخبارات والشكاوى والعرائض".
وعن دور هذا المجلس أفاد عقيص بأنّ "له الحقّ في تشكيل لجان تقصّي حقائق، إذا قامت إحدى الدول التي يتألّف منها بدعم إحدى العرائض المقدَّمَة. وهذه المسألة لا تحتاج إلى طلبٍ من الحكومات، فمن غير الضروري مثلاً أن تقدّم الحكومة اللبنانية الطلب".
وتابع عقيص " في حالة انفجار 4 آب، أهالي الضحايا قدّموا عريضة، ونحن كتكتّل الجمهورية القويّة، أكبر تكتّل نيابي، قدّمنا هذه العريضة أيضاً؛ فيكفي بأن تتبنّى إحدى الدول المنضوية في هذا المجلس هاتين العريضتين حتّى يتمكّن المجلس المنبثق عن هذه الهيئة الدوليّة من تشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية".
وأوضح عقيص أنّ "هذه العريضة مختلفة تماماً عن تلك التي قدّمها تكتّل الجمهوريّة القويّة في 17 آب من العام 2020، بعد أيّام قليلة من الانفجار؛ فتلك العريضة قُدِّمَت للأمين العام للأمم المتّحدة، أمّا هذه العريضة فهي لمجلس حقوق الإنسان، ونطالب فيها بلجنة تقصّي حقائق، للإطّلاع على كلّ ما حدث من تاريخ الإنفجار وحتّى اليوم، على أن تجتمع بأيّ مرجع تريده"
وتابع عقيص مميّزاً في قدرة هذه العريضة وما سينتج عنها فلحظ بأنّ "لجنة تقصّي حقائق أمميّة لن تكون عرضةً لأيّ ضغوطات ولا لأي عرقلة سياسيّة أو تقنيّة، ولا يمكن لأحد أن يهدّد بـ«قبعها» كما هُدِّد القاضي طارق البيطار بذلك سابقًا".
أمّا بالنسبة إلى خلاصة عمل هذه اللجنة فقال عقيص: "ترفع هذه اللجنة بنهاية عملها تقريراً تقول فيه إذا ما كان هنالك أيّ انتهاكات لحقوق الإنسان نتيجة هذا الإنفجار الجريمة".
وختم عقيص موضحاً أنّ "تكتّل الجمهورية القوية بنى هذه العريضة استناداً إلى انتهاكين لحقوق الإنسان: الانتهاك الأوّل لحقّ الحياة، والانتهاك الثاني لحقّ التعويض الذي هو حقّ أساسيّ لذوي الضحايا وللمتضرّرين بأنّ يتمّ التعويض عنهم من خلال محاكمة عادلة ومن خلال حكم يُنزِل العقاب بالجُناة".
كذلك كان أيضاً لـ"نداء الوطن" حديث مع نائبة جزّين الدكتورة غادة أيّوب التي وقّعت على العريضة، لفتت فيه: "بعد سنتين على انفجار 4 آب أظهرت التجربة والممارسة أنّ الوصول إلى العدالة وإلى الحقيقة يبقى متعذّراً في ظلّ منظومة سياسية تمنع القضاء اللبناني من أن يواصل عمله وفقاً للمطلوب. فهناك قاضٍ حاول ويحاول القيام بتحقيقاته مُنع بعدّة أساليب منها التهديد ومنها عبر وسائل قضائية".
وتابعت الدكتورة أيّوب: "لن نتمكّن من الوصول إلى ما نريده كلبنانيين للكشف مَن وراء جريمة 4 آب ولإحقاق العدالة في هذه الجريمة التي حصلت. وتبيّن من المعطيات والوقائع بأنّنا عندما توجّهنا إلى المحكمة الدولية تمكّنّا من الوصول إلى الحقيقة، ومِن كشف مَن اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومَن معه، ومَن قام بعملية الاغتيال. وبالتالي توصّلنا إلى كشف مسار هذه الجريمة. ولذلك، أمام وجود أمر واقع، ودويلة في لبنان، وسلاح غير شرعي يمنع القضاء اللبناني من القيام بعمله المطلوب، لا بدّ من أن نلجأ إلى لجنة تقصّي حقائق بعدما أقفلت الأبواب الداخليّة كلّها".
ورأت أيّوب أنّ تجربة التحقيق المحلّي في قضيّة الرئيس رفيق الحريري قد أثبتت بالملموس بأنّه هناك مَن يريد جعل هذه القضية طيّ النسيان منعاً للحقيقة ومنعاً للعدالة. وتابعت: "بينما رأينا ما حصل مع المحكمة الدولية ولذلك لا مفرّ. فضلاً عن أنّ لبنان هو جزء لا يتجزّأ من العالمين العربي والدولي، وهناك قرارات دوليّة تتعلّق بالقضيّة اللبنانيّة؛ وبالتالي هذا مسار طبيعيّ على هذا المستوى، فضلاً عن أنّ جريمة 4 آب هي جريمة ذات معيار إنسانيّ دوليّ".
ورأت أيّوب تقاطعاً مع موقف بكركي حيث إنّ "الدعوة إلى مؤتمر دولي لم تتمّ في الغرف المغلقة، وبالتالي لا مجال للكلام عن تدويل مقنّع بل إنّ المطالبة بلجنة تقصّي حقائق بموجب عريضة تُقدَّم إلى مجلس حقوق الانسان تأتي بعد أن أُغلِقَت الطرق القانونيّة المحلّيّة كافّة في وجه الأهالي".
كذلك كان لـ"نداء الوطن" حديث مع النائبة بولا يعقوبيان التي أشارت إلى أنّهم " كنوّاب تغييريّين هم حتماً يوقّعون على هذه العريضة التي تعتبر من أهمّ مطالب ذوي الضحايا والشهداء". وتابعت "نحن مع لجنة أهالي الضحايا الأحرار غير المضغوط عليهم. ولا سيّما أنّ هذا المطلب تمّ التباحث به مع السيدة نجاة رشدي، نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، وهي المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في لبنان، وتمنّت يعقوبيان إعطاء الأولويّة لأيّ عريضة تصدر من لجنة أهالي الضحايا كي لا يتمّ التحجّج بأيّ موقف سياسي لعدم التوقيع".
وشدّدت على أنّهم كنوّاب تغييريّين هم "مع عدم تسييس هذه القضيّة بأيّ شكل من الأشكال، وعلى تنسيق دائم مع لجنة أهالي الضحايا، إن بالنسبة إلى قانون الأهراءات، وحتّى في كتابة الأسباب الموجبة، وإن في توقيع أيّ عريضة يعدّونها. وهم حريصون جدّاً على ألّا تتجاذب أحزاب التركيبة السياسية اللبنانية هذا الموضوع".
أمّا بالنسبة إلى عمل المحقق العدلي، فلفتت يعقوبيان إلى أنّهم كنوّاب تغييريّين سألوا الرئيس نبيه برّي عن المرسوم الموجود عند وزير الماليّة، فأجاب الرئيس برّي عن وزير المال بأنّه تمّ ردّ المرسوم بسبب التجاذبات فيه على الأسماء وكيفيّة احتسابها على قاعدة "الستّة وستّة مكرّر". ولاحظت يعقوبيان أنّه "بعد أشهر من تخدير هذا المرسوم يبدو أنّه تمّت إعادته إلى مجلس القضاء الأعلى". وأبدت انزعاجها من وجود عمليّة إسكات ممنهجة لا سيّما للنوّاب التغييريّين.
أمّا بالنسبة إلى أهالي الشهداء فتحدّث إلى "نداء الوطن" شقيق الشهيد جو نون، وليم نون الذي قال: "إنّ لجنة تقصّي الحقائق هي مطلبنا منذ البدء عندما طالبنا بتحقيق دولي أو بلجنة تقصّي حقائق دوليّة، لكن السلطة الحاكمة بأمر من حزب الله ومن الثنائي الشيعي رفضت التحقيق الدّولي، ما دفعنا إلى الذهاب نحو التحقيق العدلي. لكن بعد النتائج غير المعلنة التي توصّل إليها التحقيق العدلي، باتت هذه السلطة من الرافضين له".
أمّا بالنسبة إلى موضوع العرائض، فأشار نون "وقّعنا في العام 2020 عريضة مع اكثر من 15 ألف شخص أعدّها تكتّل الجمهوريّة القويّة للأمم المتحدة، أمّا اليوم فتقدّمنا بعريضة لمكتب حقوق الإنسان الدولي في جنيف آملين في الوصول إلى لجنة لتقصّي الحقائق."
ودعا نون اللبنانيّين جميعهم في نهار 4 آب إلى ثورة شعبيّة تترجم بتوقيع هذه العريضة، حيث سيعرض أهالي الشهداء، أمام الرأي العام في الذكرى الثانية، كيفيّة الوصول إلى نتائج مع هذه اللجنة، لأنّه "على ما يبدو أنّ الضغط السياسي يشتدّ أكثر فأكثر على القضاء اللبناني، ما لا يبشّر بقدرته على الوصول إلى الحقيقة".
ولحظ نون "أنّنا قادمون على انتخابات رئاسيّة جديدة قد تؤدّي إلى تغيير الكثير من القضاة أمثال رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود، ولا نستطيع أن نضمن هويّة الخلف، وما سيكون موقفه في هذه القضيّة الإنسانيّة والوطنيّة".
وختم نون حديثه موضّحاً أنّ "العريضة المقدّمة هي لدعم المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار بلجنة تقصّي حقائق دوليّة تساعده ليكمل عمله. ونحن كأهالي شهداء فوج الإطفاء وضحايا الانفجار المشؤوم نتواصل مع السادة النوّاب، ولقد طالبناهم بتشريعات جديدة في المجلس للحدّ من طلبات الردّ حتّى يستطيع القاضي البيطار استكمال عمله. وهذا ما قام به النائب جورج عقيص مشكوراً".
في المحصّلة، على ما يبدو أنّ المجتمع الدّولي سيكون مجبراً على تحمّل مسؤوليّته بعد هذه العريضة على وقع الحديث المتزايد عن تدويل القضيّة اللبنانيّة. لكن ما يهمّنا كلبنانيّين هو الكشف عن حقيقة انفجار المرفأ حتّى نستطيع أن ننظر إلى عائلات الشهداء نظرة اطمئنان لا نظرة ذنب. وقناعتنا راسخة بأنّ الحقيقة ستظهر.
ميشال شمّاعي - نداء الوطن