غاب البحث المباشر في تشكيل الحكومة مدة طويلة، فما عاد الرئيس المكلف يتصل أو يلتقي رئيس الجمهورية، ولا استهْول رئيس الجمهورية الموقف، فاستمر منتظراً في قصره، يستقبل ويودع ويعطي التوجيهات والوعود ويبحث عن رئيس يخلفه ويكمل ما بدأه من النقطة التي يكون لبنان قد وصلها لحظة مغادرته بعبدا.
كان على الحكومة الجديدة أن تبصر النور مباشرة بعد الانتخابات النيابية حسب الدستور والأعراف، اي ان شهر حزيران الماضي كان حداً أقصى لولادتها في منطوق الدستور. وفي منطق الظروف الخطيرة التي يعيشها البلد المأزوم منذ ثلاث سنوات على كافة المستويات، وعشية انتهاء الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية، يصبح استيلاد الحكومة في مقدم الأولويات، لكي تقوم بالمطلوب منها في مواجهة الازمات وفي المفاوضات مع المجتمع الدولي وصناديقه، ولتتخذ القرارات في شؤون الترسيم البحري، وعلى مستوى ابسط حلّ مشاكل جواز السفر وتشغيل الكهرباء وتحريك القضاء وباصات النقل المشترك!
واستيلاد الحكومة يصير أكثر الحاحاً مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون ومغادرته قصر بعبدا. فإلى ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا بد من حكومة كاملة الأوصاف الدستورية لتتمكن من ممارسة دور الرئيس المنتظر، إذا تأخر انتخابه ساعات أو أياماً أو شهوراً.
والجميع بات يعرف ويستعد منذ الآن لممارسة الاجتهادات في حال بقيت حكومة التصريف في مواقعها ، وأول الاجتهادات انه لا يحق لها ممارسة دور الرئيس في غيابه لأنها مستقيلة، وسيقود هذا الاجتهاد الى واحد أسوأ وهو القول ببقاء رئيس الجمهورية في منصبه ومكتبه منعاً للفراغ، وبديهي ان السير في مثل هذه الاجتهادات، استخفافاً بعدم تشكيل الحكومة، أو بالمهل الرئاسية الدستورية، سيقوّض نهائياً النظام السياسي اللبناني، في تتويجٍ لسنوات من ممارسات السلطة والتعطيل والإقفال والثلث الضامن واحتكار المواقع وفرض الخيارات والاشخاص بصيغة انتخاب لا قيمة له.
لا تُفهم زيارة نجيب ميقاتي الى بعبدا أمس خارج سياق التحسس بالمخاطر وضرورة سد ثغرات الاجتهاد والاستجهاد. الخطوة ضرورية لإعادة اطلاق البحث في تشكيل حكومة العهد الأخيرة، فاذا تحقق النجاح في هذا المسعى يمكن الحديث عن تخفيف مخاطر الانتقال الرئاسي، واذا لم يتحقق فنحن بالتأكيد أمام المزيد من المفاجآت غير السعيدة.
طوني فرنسيس - نداء الوطن