الصيف

يرتفع منسوب الخطر هذه الأيام من اندلاع سلسلة من الحرائق، بالتزامن مع موجة الحرّ التي تشهدها البلاد. ولئن كان هذا الخطر لا يستثني أيّاً من المناطق، إلا أن منطقة الشمال تحسب حسابات أكبر لما قد يحدث، لاعتبارين أساسيين، أولهما أنها تملك مساحات هائلة من الأحراج تعدّ من الأكبر في لبنان وفي الشرق الأوسط، وثانيهما حصتها السنوية من الحرائق التي تجعل من الخوف مبرراً. وقد دفع هذا الواقع المعنيين إلى إعلاء الصوت لتعزيز سبل الحماية والوقاية، وخصوصاً وزارة البيئة التي أعلنت عن مواجهة مختلفة هذا العام للتخفيف من وطأة الحرائق.

منذ أيام، تتوالى التحذيرات من زيادة خطر اندلاع الحرائق في لبنان المترافقة مع موجة حرٍّ قوية تستمر حتى التاسع من أيلول المقبل. دعوات بالجملة أطلقتها وزارتا البيئة والزّراعة ومصلحتا الأرصاد الجوّية والأبحاث الزراعية لحثّ المعنيين والناس على اتخاذ أقصى درجات الوقاية للحؤول دون اندلاع الحرائق أو في أحسن الأحوال البقاء على جهوزية لمواجهة كارثة قد تحل.

ولئن كان التحذير مما قد يحدث لا يستثني منطقة في لبنان، إلا أن للشمال الحصة الكبرى من تلك التحذيرات، حيث يكبر الخوف هناك من اندلاع الحرائق وخسارة أحراجٍ تصنّف من الأكبر في لبنان. ولعل أكثر ما يثير القلق اليوم هو مصير منطقتين حرجيتين: الأولى في الضنّية والتي تضمّ حرج السّفيرة، الذي يعدّ أكبر حرج صنوبر برّي في لبنان والشّرق الأوسط، والذي اندلع فيه حريق من جهة بلدة بطرماز في الثامن من الجاري. وقد أثبتت الحقيقات يومها أنه كان حريقاً مفتعلاً. أمّا المنطقة الثانية فهي عكار الغنية بالأحراج، والتي واجهت موسماً كارثياً العام الماضي مع اندلاع سلسلة حرائق ضخمة في مناطق القبيات وجبل أكروم ووادي جهنّم، أتت على مساحة 2580 هكتاراً العام الماضي، بحسب التقرير السنوي الصادر عن فريق درب عكّار لإخماد الحرائق، والتي تمثّل معدلاً يوازي «3 سنوات من الحرائق على مستوى لبنان».

ما ينتظر لبنان اليوم من حرائق وكوارث بيئية محتملة لا يغيب عن بال المعنيين، ومنهم وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال، ناصر ياسين، الذي حذّر في حديثه إلى «الأخبار» من أنّ «مخاطر اندلاع الحرائق في الأيّام المقبلة بسبب الطقس الحار وارتفاع درجات الحرارة في عدد من المناطق، مثل عكّار والبقاع الغربي. وفي سياق المواجهة لحرائق محتملة، أكّد ياسين العمل بطريقة مختلفة هذا الموسم، لناحية «تنفيذ الخطة الوطنية للوقاية من الحرائق بشكل مختلف عمّا سبق، حيث نركّز على المناطق المعرّضة أكثر من غيرها لخطر اندلاع الحرائق فيها، بالتعاون مع مجموعة من المستشارين». ووفق هذه الخطة «قسّمنا لبنان إلى 14 منطقة كانت قد تعرّضت لحرائق في السّابق، أو هي معرّضة أكثر من غيرها لمخاطر اندلاع الحرائق فيها، وحدّدناها في البلدات والقرى التي توجد فيها غابات ومساحات حرجية تزيد على 20 هكتاراً». أما الخطوة الأولى من المواجهة فترتكز على «الوقاية بشكلٍ دائم من مخاطر الحريق بالتعاون مع البلديات والجمعيات، ولهذا نعقد اجتماعات دائمة معها بخصوص المناطق المعرّضة مثل عكّار التي تعدّ الأغنى شجراً من بين المناطق اللبنانية، ونقوم بموازاة ذلك بحملات توعية تهدف إلى التخفيف من مخاطر الحرائق».

وأشار ياسين إلى أنه في حال حصول الحرائق «فإننا نعمل على أكثر من مستوى لمواجهتها»، متطرقاً إلى هذه المستويات التي تتضمّنها الخطّة الوطنية «والتي تتوزّع على خمسة: الأوّل، الوقاية والحدّ من المخاطر، والثّاني المراقبة والإنذار المبكّر عبر النشرات اليومية والنواطير، والثالث عن طريق المستجيب الأوّل الذي يتدخل أوّلاً وسريعاً لإخماد الحرائق يدوياً وبآلات بسيطة كالرفش وعن طريق سيارات صغيرة (atv) مثل التي يستخدمها فريق درب عكّار لإخماد الحرائق وجمعيات مماثلة في البقاع الغربي وصور وعاليه والشّوف وجزّين والمحميات الطبيعية، والرّابع عبر التدخّل السريع لفرق الدفاع المدني التي نحاول تأمين دعم لها بقدر ما نستطيع من صيانة وتأمين محروقات، والخامس عبر تدخّل طوافات الجيش اللبناني لإخماد الحرائق في مناطق يصعب الوصول إليها».

الحرائق المفتعلة وضعف عدّة المواجهة

على الأرض، لا يبدو الوضع في الضنّية وعكّار مختلفاً عما قاله ياسين، فخطر اندلاع الحرائق هناك مرتفع جداً هذه الأيام، بحسب ما يقول متطوعون في الدفاع المدني في المنطقتين، فضّلوا عدم ذكر أسمائهم. وقد يصل هذا الارتفاع «إلى حدود 85% هذه الأيام ولا يقل عن 80%». ولئن كانت موجات الحرارة العالية هي السبب الرئيسي في ارتفاع منسوب الخطر، بحسب هؤلاء، إلا أنهم يوردون أسباباً أخرى قد تؤدي إلى اندلاع الحرائق هذا الموسم، ومنها تعمّد إشعال النيران بالقرب من الأحراج أو في داخلها، مؤكدين أن «الكثير من تجار الحطب والفحم يعمدون إلى إشعال النّار في مكبّات النّفايات العشوائية القريبة من الأحراج أو الموجودة بداخلها أو حرق الأعشاب اليابسة في الحقول والبساتين التي سرعان ما تمتد إلى الأحراج، أو الحريق المتعمد بقصد وضع اليد على أراضي الدولة لاستصلاحها من أجل الزّراعة».

ويلفت المتطوعون إلى خطورة هذه الأفعال، وخصوصاً عندما يندلع الحريق في أحراجٍ كبيرة، حيث «يصعب إخماد الحرائق فيها، ولا سيّما التي لا يوجد فيها طرقات تُسهّل دخول الآليات إليها، مثل حرج السّفيرة للصنوبر البرّي الذي اندلع داخله حريقٌ مطلع الشهر الجاري لم نستطع إخماده إلا بعد الاستعانة بطوّافات الجيش اللبناني». ويضاف إلى هذه الصعوبات أزمة «الإمكانات، حيث لا تتوافر المعدات الكافية للعمل، كغياب عدد كبير من المتطوعين عن مراكز الدفاع المدني بسبب تكلفة الانتقال الكبيرة نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، وتعطّل بعض الآليات التي لا نتمكن من إصلاحها إلا بعد قيام متبرّعين ومغتربين بإصلاحها».

في المقابل، لا يقلّ وضع مأموري الأحراج في مراكز الضنّية وعكّار صعوبة عن وضع متطوعي الدفاع المدني، إذ دعا هؤلاء الأهالي والبلديات إلى «الوقاية والانتباه والرقابة، سواء قبل اندلاع الحرائق أو بعده»، ولا سيما «أننا نعاني من ضعف الإمكانات لدينا، وهو ما يؤثر على القيام بالدوريات المطلوبة، مع أنّه يتعيّن علينا القيام هذه الأيام بدوريات على مدار السّاعة». إلى ذلك، أشار مأمورو الأحراج إلى أنّ «الوضع البيئي سيّئ جدّاً، فالحرائق مثلاً والقطع الجائر لم يتوقفا في منطقة وادي جهنّم منذ أكثر من سنة تقريباً، وحالياً القطع يسير بوتيرة عالية بسبب إقدام المواطنين على تموين الحطب لفصل الشتاء عوضاً عن مادة المازوت بسبب الارتفاع الكبير في سعرها». وقد حمّل هؤلاء «البلديات واتّحادات البلديات بعض المسؤولية في هذا السّياق، وأنّه لو كان عناصر الشّرطة البلدية يقومون بدوريات دائمة لتراجعت الحرائق بنسبة كبيرة».

عبد الكافي الصمد - الأخبار

يقرأون الآن