مجازر بيئيّة تُرتكب يوميًّا

لا صوت يعلو فوق صوت المنشار هذه الأيام، هو يلتهم أشجار الأحراج في مختلف قرى الجنوب. عشرات الأشجار باتت تحت مرمى مناشير تجّار الحطب، ينفّذون جريمتهم تحت جنح الظلام في معظم الأحيان. فالحطب تجارة نشطة ومربحة هذه الأيام، خصوصاً بعد لجوء الناس إليها. حكماً سعر متره سيكون وفق سعر الصرف، رغم أن معظمه مسروق ومنهوب من أحراج الجنوب والأشجار الممتدة على طول الطرقات، ومجازر بيئية ترتكب يومياً، من أحراج وادي الحجير، الى حرج تلة العسكر وغيرها الكثير، هذا عدا عن إقدام شرطة عدد من بلديات النبطية على قطع الأشجار بحجة أنها تلحق أضراراً بشبكة الكهرباء، وتحويلها حطباً للبيع.

كلّ هذه المجازر لم تحظ بردّة فعل من حماة البيئة، لم يتم شنّ هجوم لاذع على مرتكبيها، ولا يخفي أحد أن معظم الحرائق التي تشتعل هنا وهناك، إنما تتمّ لأجل الحطب، ولو كان على حساب الغطاء البيئي المهدّد اليوم. يؤكد أحمد وجود «حرامية» الأشجار هذه الأيام، وبحسب قوله فإنه كل يوم يلحظ تقلصاً لأعداد الأشجار في حرج تلة العسكر، كل يوم تنقص مجموعة من الأشجار من دون حسيب أو رقيب، وحرج تلة العكسر من أجمل الأحراج في النبطية، حرام ما يشهده من مجزرة ترتكب بحقه من مناشير حرامية الحطب».

في المقلب الآخر، أثار قطع أشجار «الليلندي» من باحة إتحاد بلديات الشقيف الجدل حولها، لا سيما أنها جرت في وقت يتسابق كثر على قطع الأشجار لتحويلها حطباً للتدفئة. عشرات الأشجار تقطع يومياً في أحراج منطقة النبطية، ليلاً ونهاراً، معظمها أشجار حرجية، تدخل في تجارة الحطب التي بدأت تنشط على أبواب الشتاء وارتفاع الطلب عليها في ظل ارتفاع أسعار المازوت وفقدانه، لم تحظ تلك الأشجار بدعم أحد، لم يتحرك أحد للدفاع عنها بوجه مناشير الحطابين، التي أكلت الخضار هذه الأيام، وبقيت طي الكتمان، على عكس أشجار «الليلندي»، التي أثار قطعها جدلاً واسعاً، وضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أنها «شجر زينة وليست حرجية»، وتهدد سلامة المبنى الملاصق لها والمؤلف من 8 طبقات، بعدما اخترقت جذورها جدران الدعم الرئيسية في المستودع، ما دفع بصاحب المبنى أحمد الخياط الى تقديم شكوى لدى إتحاد بلديات الشقيف، حول التهديد التي تسبّبه الأشجار للمبنى. وفق الخياط فإن «جذور شجر الليلندي قطعت الحديد في المستودع، وهذه الجدران هي أساسات المبنى وأي خلل فيه يهدد سلامة القاطنين فيه»، ويقول إنه بعد كشف فريق من الاتحاد وتبيان الضرر اتخذ قرار القطع.

لم يتأخر الاتحاد عن اتخاذ قرار قطع الأشجار من دون الرجوع الى وزارة الزراعة، على اعتبار أنها «شجر زينة والقانون أتاح قطعها من دون اذن مسبق» بحسب ما يقول عبد الرضا شعيب المسؤول المالي في اتحاد بلديات الشقيف، فـ»الأشجار بدأت تهدد سلامة المبنى بعد تمدّد جذورها في أساساته، وبعد الكشف الهندسي ورفعاً للضرر القائم قمنا بقطعها». يقرّ شعيب بأنه «لم يتم أخذ موافقة وزارة الزراعة، بالاستناد الى القانون الذي يجيز ذلك، الا أنه بحسب قوله لم يكن يعلم بوجود تعميم صادر عن الوزارة يمنع قطع حتى أشجار الزينة من دون إذن وزارة الزراعة. مؤكداً أن «الاتحاد وبعد رفع الضرر ومعالجته، سيعيد زرع أحواض ورود مكانها، لان سياسة الاتحاد تكمن في تعزيز المساحات الخضراء لا تقليصها».

إذاً، قطعت الأشجار من دون إذن مسبق من وزارة الزراعة، التي لم تعلم بحادثة القطع إلّا لاحقاً، ما دفعها للقيام بكشف ميداني على الأشجار المقطوعة وتسطير محضر ضبط بحق الاتحاد، وبحسب مصادر الوزارة فإن المخالفة التي ارتكبها الاتحاد أنه نفّذ عملية قطع الأشجار من دون الرجوع اليها، غير أنها تؤكد وجود ضرر كبير تسبّبت به في أساسات المبنى المجاور، ولا تخفي المصادر أنه لو رفع الطلب اليها لكانت ستعطي إذناً بالقطع لانها تهدد سلامة مبنى مؤلف من 8 طبقات. وبحسب المصادر فإنه سيتم رفع المحضر الى النيابة العامة في النبطية للبتّ به.

مرّ قطوع قضية قطع أشجار الليلندي بسلام، غير أن قطع أشجار الأحراج يجب ألّا يمرّ بسلام، بل يجب ردعه قبل أن تتحول الأحراج أرضاً قاحلة.

رمال جوني - نداء الوطن

يقرأون الآن