يشكل سقوط نظام بشار الأسد تحدياً وجودياً بالنسبة لـ"حزب الله"، الذي فقد حليفاً استراتيجياً وممراً حيوياً للإمدادات، فهذا الحدث المفصلي يحمل تداعيات عميقة، لاسيما أن الحزب اعتمد طويلاً على التحالف مع النظام السوري كجسر استراتيجي يربطه بإيران وبقية فصائل "محور الممانعة"، مما يصعب اليوم على إيران تزويده بالأسلحة عبر الأراضي السورية، وبالتالي يجد الحزب نفسه معزولاً في الساحة اللبنانية، مما قد يضعف موقفه داخلياً وإقليمياً، والأمر نفسه بالنسبة إلى المصالح المالية، إذ تشير التقارير إلى أن "حزب الله" استخدم الأراضي السورية كمعبر لتهريب السلع والمخدرات، مما وفر له مصادر تمويل مهمة.
ويعني ذلك بصورة مباشرة انقطاعاً تلقائياً وتاماً للجسر الإيراني الذي يصل العراق بسوريا، ومنها يمتد إلى الداخل اللبناني، وبالتالي فك ارتباط "حزب الله" بالداخل السوري، وانقطاع المعابر البرية التي كثيراً ما استفاد منها، من أجل تبادل الدعم مع النظام بالمقاتلين والأسلحة والذخائر وسائر أنواع "المؤن".
وبحسب محللين، كانت معركة حمص لحظة فاصلة، إذ تعد هذه المدينة محوراً استراتيجياً لقربها من الحدود اللبنانية، وشكلت أهمية خاصة لإيران و"حزب الله". ودفع الحزب بنحو 1200 من مقاتليه إلى المنطقة في محاولة أخيرة لإنقاذها، باعتبارها جزءاً أساسياً من "سوريا المفيدة" وخط الإمداد الحيوي لهم، علماً أن الأمين العام "حزب الله" نعيم قاسم، كان أعلن في خطابه الأخير أن "الحزب لن يسمح بسقوط سوريا بيد الجماعات المسلحة مجدداً، وأنه مستعد لدعمها والدفاع عنها".
وفي حسابات الربح والخسارة، يبدو أن "حزب الله" هو أبرز الخاسرين، إذ أضيف سقوط النظام السوري إلى الضربات التي تلقاها في حربه مع إسرائيل واضطراره إلى توقيع اتفاق يبعده عن حدودها نحو 30 كيلومتراً، فخسر امتداده الحيوي في العمق السوري وكذلك إمساكه بأكثرية الشريط الحدودي الفاصل بين لبنان وسوريا، مما سيؤدي إلى إضعافه سياسياً وعسكرياً، ومما يمكن أن يفضي إلى كسر القبضة الأمنية المفروضة على لبنان.
وبعد أن خسر سرديته في قضية ردع إسرائيل وإقامة توازن رعب يمنعها من مهاجمة لبنان، يبدو أن سردية مواجهة "التكفيريين" ومنعهم من مهاجمة لبنان عبر الحدود الشرقية والشمالية لم تعد مقنعة، في ظل تزايد الرهان الداخلي على دور الجيش اللبناني من جهة، وتأكيد فصائل المعارضة السورية احترامها للسيادة اللبنانية وعدم وجود نوايا لديها لمهاجمة لبنان.
القرار الدولي 1680
وبحسب المعلومات الأمنية والميدانية فإن "حزب الله" عاد وسحب كل قواته من سوريا لدى اقتراب قوات المعارضة السورية من العاصمة دمشق وبدء توغل قواتها في مدينة حمص، وذلك بعدما عبرت قوات "نخبة" من الحزب، من لبنان واتخذت مواقع في حمص، لتعود وتتراجع باتجاه الحدود اللبنانية، إلا أن مصادر ميدانية تشير إلى استمرار وجود عناصر من الحزب بسبع قرى في الأقل في منطقة القصير القريبة من الحدود اللبنانية، تحت ذريعة أن أكثرية سكانها من اللبنانيين الشيعة، والأمر نفسه في عدد من القرى في القلمون الشرقي.
وترجح مصادر سياسية لبنانية أن يؤدي انسحاب "حزب الله" من سوريا إلى عودة النقاش حول القرار الدولي 1680 الذي يدعو حكومتي لبنان وسوريا إلى ترسيم حدودهما، وذلك بهدف قطع ذريعة تداخل الحدود التي تستغلها بعض "عصابات" التهريب الموجودة في تلك المناطق بغطاء حزبي، وكذلك حسم الجدل حول مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في جنوب لبنان، إضافة إلى حسم قضية "ضبابية" السيطرة على تلك الحدود الدولية خارج الشرعيتين اللبنانية والسورية، مما قد يتسبب بجدل داخلي كبير مع "حزب الله" الذي يدير بصورة مباشرة عدداً من المعابر "الأمنية"، وذلك باعتراف الأجهزة الرسمية في لبنان.
الميزان الداخلي
وكان لافتاً انعكاس سقوط النظام في سوريا على الداخل اللبناني، إذ عمت الاحتفالات معظم المناطق اللبنانية، وكذلك المواقف السياسية المؤيدة لسقوط النظام السوري، مما يمكن قراءة انعكاسه بوضوح على ميزان القوى الداخلي، لصالح القوى المعارضة لـ"حزب الله" وحلفائه الذين حكموا لبنان في الحقبة التي تلت انسحاب الجيش السوري في عام 2005، وتعتبر مصادر في قوى المعارضة أن التغيرات التي حصلت أخيراً سواء لناحية نتائج الحرب مع إسرائيل أم التغيرات في سوريا، يجب أن تدفع الحزب باتجاه تقييم جديد للواقع والتموضع داخلياً بما يتناسب مع المرحلة المقبلة، وبالتالي عليه تسليم سلاحه للشرعية وتفكيك منظومته العسكرية، والانتقال إلى العمل السياسي أسوة ببقية الأحزاب، والتخلي عن مشاريعه الإقليمية وفكرة السيطرة على لبنان.
لبنان على المحك
وفي هذا السياق أشار رئيس تحرير شبكة "مرايا" الدولية فادي بوديا (مقرب من الحزب)، إلى أن "سقوط النظام في سوريا يمثل ضربة موجعة لحركات "المقاومة"، وعلى رأسها "حزب الله"، ومع ذلك الحزب يتمتع بقدرات اكتفاء ذاتي كبيرة قد تمكنه من الصمود لفترة طويلة، لكن التأثير سيكون قوياً ولا يمكن التقليل من شأنه". ولفت إلى أن "رياح التغيير التي بدأت في سوريا قد لا تتوقف عند حدودها، وربما نشهد تداعيات مماثلة في لبنان، مما يجعل مصير البلد بأكمله على المحك"، لاسيما إذا ترافقت هذه التغيرات مع تصعيد داخلي أو تدخلات خارجية، "قد نشهد جولة جديدة من الصراعات في لبنان تجعل مصير البلد بأسره محل تساؤل".