سوريا

من هو النازي الذي استعان به الأسد الأب في المسالخ البشرية؟

من هو النازي الذي استعان به الأسد الأب في المسالخ البشرية؟

بعد فتح سجن صيدنايا السيئ السمعة في سوريا، تكشفت هول المجازر واساليب التعذيب التي اعتمدها النظام السوري منذ حكم الأب حافظ الاسد وصولا الى ابنه بشار.

واكتشف العالم أن ما يسمى بالمسلخ البشري كان فعلا لا قولا. ناهيك عن صدمات تكشفت في معظم السجون التي تم اكتشافها لاحقا.

تقارير كثيرة تحدثت عن اساليب التعديب التي اعتمدت، وما كشفته الصحف كان صادما إذ اعتمد نظام الأسد على ضباط نازيين فعليين شاركوا في الهولوكوست، وقدموا المساعدة في بناء نظام "المسالخ البشرية" ومعتقلات التعذيب منذ ستينيات القرن الماضي بما في ذلك سجن صيدنايا العسكري.

فقد كشفت التقارير أن النظام السوري استفاد من خبرة النازيين الحقيقية بشكل اثبتته صور الناجين من المعتقلات التي فتحت أبوابها للمرة الأولى مع سقوط النظام.

وحسبما أوضحت صحيفة "غارديان" البريطانية فإن تحول سوريا كملاذ للنازيين بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن عبثياً، إذ قدمت دمشق، في ظل الاضطرابات السياسية والبحث عن أدوات تعزيز السيطرة، مكاناً آمناً لشخصيات مثل آلويس برونر، المساعد المقرب للمسؤول عن ترحيل آلاف اليهود إلى معسكرات الموت، قبل أن يجد طريقه إلى سوريا في خمسينيات القرن الماضي ليس فقط كلاجئ سياسي، بل كمستشار أمني لنظام "البعث" .

وهو ما أكده أيضا المؤرخ الإسرائيلي داني أورباخ في كتابه "الهاربون" حول النازيين الهاربين، وكما يتهمه الباحث الإسرائيلي إفرايم زوروف بأنه نقل الأساليب الإستخباراتيه للتعذيب وانتزاع الاعترافات للنظام السوري.

وبحسب المعلومات عمل برونر تحت اسم مستعار، مستشاراً ومعلماً لضباط الاستخبارات السورية، مستخدماً خبرته في الاستجواب والتعذيب التي صقلت خلال الحقبة النازية، إلا أن ما قدمه برونر كان أكثر من مجرد نصائح تقنية، حيث ساهم في تطوير أساليب قمع ممنهجة تهدف إلى سحق أي معارضة، وهو الإرث الذي استفاد منه النظام السوري حتى آخر لحظة لوجوده في دمشق، السبت الماضي.

ولسنوات عديدة، حاول عملاء كثيرون وأجهزة الشرطة الدولية الوصول إلى النازي المختبئ في دمشق.

واستطاع كثير من الضباط النازيين الهروب بعد انتحار هتلر وتحرير برلين على ايدي قوات الحلفاء. مع الإشارة إلى أن الحديث عن علاقة الأسد بالنازيين ظهرت في وسائل الإعلام العالمية والعربية خلال السنوات الماضية.

وعاش الضابط النازي برونر في سوريا أربعين عاماً ينعم بحماية حكم الأسد. ومقابل حمايته تلك، عقد اتفاقاً مع الأسد منذ الستينيات، بعد سيطرة حزب "البعث" على السلطة العام 1963 حتى وفاته.

وولد ألويس العام 1912، وكان من الضباط المسؤولين على معسكرات إبادة كثيرة في أوروبا. وبعد سقوط أدولف هتلر، زعيم النازية في ألمانيا، تمكن من الاندساس بين اللاجئين مستخدماً اسماً مستعاراً عمل بفضله سائقاً لدى الجيش الأميركي. ثم هرب العام 1953، إلى مصر بجواز سفر يحمل اسم جورج فيشر، ومنها انتقل الى سوريا.

وفي سوريا، التقى برونر صديقاً يدعى فرانتز رادماخر، وهو ضابط نازي أيضاً شغل منصب رئيس مكتب الشؤون اليهودية في ألمانيا زمن العهد النازي، ووظفه في شركته الخاصة "شركة الشرق للتجارة" (Orient Trading Company).

وفي العام 1961، أدرك الأميركيون، بعد تحقيقات عديدة، أن فيشر المقيم في دمشق هو النازي برونر، وفي العام نفسه تلقى برونر رسالة بريدية مفخخة، في دمشق، فَقَدَ على إثرها إحدى عينيه، وعندها فهم برونر أن أمره انكشف. وكان العام 1966 هو العام المفصلي عندما حدث اللقاء الحقيقي بينه والدولة السورية عندما كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع.

واستفاد حافظ الأسد من خدمات الخبير النازي المخضرم الذي قال عنه رئيس جهاز "الغوستابو" أدولف آيخمان، في مذكراته: "إنه من أفضل الرجال"، مقابل تأمين سلامة الضابط النازي في سوريا بعد انكشاف أمره.

وعمل برونر كمستشار أمني غير رسمي للأسد في الفترة التي كان حافظ يقضي فيها على المناهضين له سواء من البعثيين أو غيرهم بالتصفيات والاغتيالات. وبعدها بخمس سنوات، استولى حافظ الأسد على السلطة رسمياً بانقلاب عسكري سماه "الحركة التصحيحية" وكان الضابط النازي ممن ساهموا في بناء منظومة الأسد المخابراتية الرهيبة، بما فيها من أجهزة وفروع ومنهاج قمع ومراقبة لا مثيل لها على الكوكب. وأكد ضابط في المخابرات الفرنسية كانت له علاقات في دمشق في الثمانينيات، أن برونر كان يعمل مستشاراً سياسياً مقرباً لدى الأسد.

ومن بين أدوات التعذيب المستخدمة ما يعرف باسم "الكرسي الألماني"، الذي يتم فيه كسر عمود الضحايا الفقري من خلال تمديد الظهر وتقويسه إلى الخلف بشكل مفرط. وكثيرًا ما تم افتراض أنَّ هذا الاختراع يعود إلى ألويز برونر بحسب ما قال داني أورباخ. .

ولا معلومات محددة عن موت برونر حيث تفيد معلومات متضاربة أنه توفي العام 1992، وفي مصادر أخرى العام 2010 عن عمر ناهز 98 عاماً.

وما يجعل هذه الأساليب أكثر إثارة للرعب هو التشابه الواضح بين ممارسات التعذيب في سجون النظام السوري والأساليب النازية. في سجن تدمر، وثقت الشهادات استخدام العقوبات الجماعية والتعذيب الجسدي الممنهج، وهي أساليب تعيد إلى الأذهان معسكرات الاعتقال النازية. أما في سجن صيدنايا، فكشفت التقارير عن "غرفة المكبس"، وهي مكان مصمم لإعدام العشرات دفعة واحدة باستخدام الضغط المكاني. بالإضافة إلى ذلك، تم توثيق المقابر الجماعية التي تُستخدم للتخلص من الجثث، وأشارت شهادات الناجين إلى استخدام الأحماض الكيماوية لتسريع تآكل الجثث وإخفاء الأدلة.

وتشير التقديرات إلى أن عدد الضحايا الذين قتلوا في سجن صيدنايا وحده يتراوح بين 13 ألف و20 ألف معتقل بين العامين 2011 و2015 فقط، ما يعطي لمحة بسيطة عن حجم المأساة وتكشف وحشية النظام في قمعه المستمر، طوال 54 عاما

وإلى جانب التعذيب الجسدي، استُخدمت أساليب التعذيب النفسي بفعالية لتدمير إرادة المعتقلين، بما في ذلك الحرمان المستمر من النوم، وسماع أصوات تعذيب الآخرين، وخلق بيئة من اليأس والهلع المستمر والتي كانت تهدف ليس فقط للحصول على المعلومات، بل أيضاً كسر الروح الإنسانية بالكامل. ولا يمكن نسيان غرف الملح التي تُوضع فيها الجثث حتى يحين وقت نقلها، فيما يغيب الملح تماماً عن كميات الطعام القليلة التي يحظى بها المعتقلون، الأرجح لإضعافهم جسدياً، فيما يتم أخذهم إلى تلك الغرف من حين إلى آخر ليُفاجأوا بكميات هائلة من الملح الذي دفنت فيه الجثث.

إلى ذلك، اعتمد النظام السوري أيضاً على أساليب مشابهة لتلك التي استخدمتها ألمانيا الشرقية (DDR) في كتابة التقارير ضد الأفراد المُشتبه في معارضتهم للنظام. .

يقرأون الآن