كشفت مصادر سياسية عراقية، عن أن المرجعية الدينية الأعلى للشيعة في العراق علي السيستاني، غاضب من الإطار التنسيقي، أكبر مظلة سياسية شيعية (تضم أحزاباً عدة وتشمل فصائل من الحشد الشعبي)، موضحة أن من بين أسباب ذلك محاولته المساس باستقلالية المرجعية، واحتكار السلطة، وتهميش "حشد العتبات" الموالي له.
السيستاني الذي يبلغ من العمر 94 عاماً، كان قد توقف منذ حوالي 5 سنوات عن التعليق في الشأن السياسي في العراق، حتى في خطبته الأسبوعية في كل جمعة.
لكن المصادر أكدت بشأن التوترات بين السيستاني والإطار التنسيقي، أنه في الأسابيع القليلة الماضية، بات السيستاني منزعجاً بشدة مما يحدث في الساحة السياسية العراقية، لذلك أرسل رسائل عدة للسياسيين في الإطار التنسيقي الشيعي، بأن "الوضع أصبح لا يحتمل السكوت عنه".
جاء ذلك بحسب ما أكده مصدر مقرب من مكتب السيستاني، مؤكداً أن السيستاني بذلك خرج عن صمته بما يتعلق بالوضع السياسي القائم في العراق.
التوترات بين السيستاني والإطار التنسيقي
بعد الانتخابات البرلمانية العامة في 2021، دار صراع سياسي كبير بين التيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وبين خصومه الشيعة في الإطار التنسيقي الشيعي (الهيئة التي تضم أغلب الأحزاب السياسية الشيعية التقليدية والأجنحة السياسية لبعض الفصائل المسلحة الشيعية) للسيطرة على الحكومة الجديدة.
منذ عام كامل، لم تتحقق رغبة مقتدى الصدر الذي فاز حزبه بأكبر عدد مقاعد (73 مقعداً) في تشكيل حكومة أغلبية وطنية على عكس المعتاد في العراق، إذ جرت العادة بتشكيل حكومات ائتلافية توافقية.
إذ رفض الإطار التنسيقي احتكار مقتدى الصدر للسلطة وأن يتم إقصاؤه، لتندلع على إثر ذلك احتجاجات بين أنصار طرفي الصراع التيار الصدري والإطار التنسيقي، انتهت بعدد من القتلى والجرحى، ليعلن على إثر ذلك مقتدى الصدر، اعتزاله العمل السياسي وسحب أعضاء تياره من البرلمان، ما ترك الساحة السياسية بالكامل للإطار التنسيقي الشيعي.
منذ ذلك الوقت، أعاد الإطار التنسيقي توزيع مقاعد البرلمان، وشكل الكتلة البرلمانية الأكبر، وأصبح الحزب الحاكم في العراق، وشكل بعد ذلك الحكومة الحالية التي يقودها محمد شياع السوداني.
في هذا الصدد، يقول سياسي شيعي مقرب من مكتب السيستاني: "يرى السيستاني أن قوى الإطار التنسيقي بدعم من إيران، استولت على السلطة في العراق، ووسعت نفوذها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية كافة، ما يهدد المرجعية نفسها".
أوضح المصدر ذاته أن قلق السيستاني يعود إلى تهديد نفوذ الإطار التنسيقي الشيعي لسلطة المرجعية، قائلاً: "بعد أن انسحب الصدر من الحياة السياسية، استولى الإطار التنسيقي على كل مقاليد الحكم، ووصلوا إلى محاولات السيطرة على المبادئ التي أسسها وحددها السيستاني لضمان استقلال المرجعية الدينية الشيعية عن السلطة الحاكمة أياً كانت".
أضاف أيضاً أنه "في الآونة الأخيرة، بدأ الإطار التنسيقي في الاقتراب من استقلال الكيانات الاقتصادية والامنية والاجتماعية التي صممتها المرجعية الدينية، وحتى المؤسسات الثقافية المرتبطة بالعتبات المقدسة"، في إشارة إلى المراقد والمزارات الدينية الشيعية في مدينتي كربلاء والنجف بالعراق.
تمتلك العتبات المقدسة أو المراقد والأضرحة الدينية في العراق، اقتصاداً خاصاً بها، كما أنها تمتلك الكثير من المراكز الدينية والثقافية ومراكز الرعاية الاجتماعية.
تقوم المرجعية الدينية المتمثلة في السيستاني، نفسها، برعاية عشرات الآلاف من الطلبة في الحوزات الدينية (المعاهد الدينية)، من العراقيين والجنسيات الأخرى، تتكفل المرجعية بنفقات معيشتهم بالإضافة إلى الإنفاق على عائلاتهم أيضاً، وذلك بحسب ما تعرفه عن نفسها من خلال الموقع الإلكتروني للمرجعية.
للإجابة على سؤال "كيف حاول الإطار التنسيقي الشيعي الاقتراب من استقلال سلطة المرجعية الدينية الشيعية؟، أوضحت المصادر العراقية المطلعة أن الإطار التنسيقي الشيعي من خلال هيئة الحشد الشعبي، حاول تقليص نفوذ ما يطلق عليه في العراق "حشد العتبات".
وحشد العتبات هي الفصائل المسلحة الشيعية الموالية للسيستاني، التي تأسست بعد فتواه في عام 2014 لمواجهة مقاتلى تنظيم الدولة "داعش"، وهذه الفصائل:
– فرقة العباس القتالية
– لواء علي الأكبر
– لواء الإمام علي
– لواء أنصار المرجعية
وجميعها منضوية تحت هيئة الحشد الشعبي العراقي، الذي يضم باقي الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
لكن حشد العتبات المدعوم من السيستاني يختلف عن باقي الفصائل، بأنه تم تأسيسه لحماية العتبات والمراقد المقدسة في العراق من تنظيم الدولة، وكانت هذه هي مهمته الوحيدة فقط.
ولم يغادر حشد العتبات العراق للقتال في سوريا كما فعلت بعض فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران، ولم يخضع لأوامر القيادات العليا في الحشد الشعبي الموالين لإيران، ولا يحضر الاجتماعات التي تضم ظباطاً من الحرس الثوري الإيراني، ولا تتبع أي تعليمات قادمة من طهران بأوامر صارمة من على السيستاني، بحسب المصادر ذاتها.
وقالت المصادر إنه "بعد توسع نفوذ الحشد الشعبي العراقي بعد الانتهاء من قتال تنظيم الدولة، وتدخله في الحياة السياسية، وقمع المتظاهرين، وارتباطه الوثيق بإيران، طلب السيستاني من حشد العتبات الخروج من راية هيئة الحشد الشعبي، لسحب الشرعية الدينية بطريقة غير مباشرة عن باقي فصائل الحشد الشعبي المقربة من إيران".
الاطار يتمادى ويجب قمعه
رجل دين شيعي من النجف ومقرب من مكتب السيستاني، قال: "تمادى الإطار التنسيقي في السيطرة على ثروات البلاد، ما هدد استقلالية المرجعية، فهم يريدون حتى السيطرة على موارد العتبات المقدسة".
وأضاف: "صحيح أن السيستاني لا يفضل كثيراً الاشتباك مع النخب السياسية الشيعية العراقية، لكن عندما تصل الأمور إلى مستوى تهديد استقلالية المرجعية، فلابد أن يتخذ خطوات جادة".
الباحث السياسي والمهتم بشؤون الحوزات الدينية في العراق، معتصم ذوالفقار، قال لـ"عربي بوست": "صحيح أن السيستاني لا يقبل فكرة احتكار السلطة من جانب أحزاب معينة على الساحة العراقية، ليس لسوء تصرف هذه الأحزاب، ولكن لرفض فكرة احتكار السلطة في حد ذاتها، وبسبب ذلك ينتقده الكثيرون".
وقال: "عندما انسحب الصدر من المجال السياسي، وترك الساحة خالية أمام الإطار التنسيقي، لم يعلق السيستاني ولم يعلن رفضه لهذا الاحتكار من البداية".
تطرق ذو الفقار إلى أن هناك بعض الانتقادات التي يتم توجيها للمرجعية الدينية العليا بأنها لم تبدأ في انتقاد الإطار التنسيقي الشيعي إلا بعد أن وصلت الأمور إلى المساس باستقلالية المرجعية الأمنية والاقتصادية والثقافية، قائلاً لـ"عربي بوست": "في كثير من الأحداث الكبرى، اختارت المرجعية الصمت، بالرغم من أن صمتها هذا أثار غضب مؤيديها، لكنها أصرت عليه، إلى أن وصلت الأمور إلى هذا الحد".