تصدرت قناة بنما أخيراً حديث وسائل الإعلام الأجنية، بعد أن أثار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، والذي يعود إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير الجاري، سخط السلطات البنمية بتهديده باستخدام القوة العسكرية لاستعادة القناة التي تربط بين المحيطين، والممتدّة على 80 كيلومتراً، إذا لم تخفّض رسوم العبور بالنسبة إلى السفن الأميركية.
وأكّد وزير الخارجية البنمي خافيير مارتينيز-آشا، أمس الثلاثاء، أن سيادة بلاده "ليست قابلة للتفاوض".
وقال الوزير إنّ "الرئيس خوسيه راوول مولينو سبق أن أعلن أنّ السيادة على قناتنا ليست قابلة للتفاوض وهي جزء من تاريخنا النضالي"، مشدّداً على أنّ القناة "أعيدت إلى غير رجعة".
والثلاثاء، رفض ترامب مجدّداً استبعاد اللجوء الى القوة العسكرية للسيطرة على قناة بنما، مكرراً انتقاده لقرار منح بنما السيطرة على الممر المائي والذي اتخذه الرئيس الأسبق جيمي كارتر الذي توفي الشهر الماضي.
وفي مؤتمر صحافي في منتجعه مارالاغو بولاية فلوريدا، قال ترامب رداً على سؤال بشأن ما إذا كان يستبعد القيام بتحرك عسكري ضدّ قناة بنما وغرينلاند: "يمكنني أن أقول التالي: نحتاج إليهما من أجل الأمن الاقتصادي"، مضيفاً "لن أعلن التزامي ذلك (أي عدم القيام بتحرك عسكري). قد نضطر الى القيام بأمر ما".
ما هي قناة بنما ولماذا هدد ترامب بالسيطرة عليها؟
قناة بنما هي ممر مائي صناعي طوله 82 كيلومتراً يربط بين المحيطين الهادي والأطلسي عبر بنما، مما يوفر للسفن آلاف الأميال والسفر لأسابيع حول الطرف الجنوبي لأميركا الجنوبية الذي يتعرض لأجواء عاصفة وجليدية.
والرحلة التي تقطعها السفن المتجهة من لوس انجلس إلى نيويورك عبر القناة أقصر بنحو ثمانية آلاف ميل (أو ما يعادل 22 يوماً) مقارنة بالسفر عبر مضيق ماجلان قبالة تييرا ديل فويجو، وهو أرخبيل في أقصى جنوب أميركا اللاتينية.
وتنقل القناة السفن عبر بحيرة جاتون، التي ترتفع نحو 26 متراً فوق مستوى سطح البحر، عبر سلسلة من الأهوسة المائية. ويتطلب عبور كل سفينة نحو 200 مليون ليتر من المياه العذبة.
بناء القناة
بدأ المستعمرون الإسبان بدراسة إنشاء قناة بين المحيطين تقطع المضيق عند أضيق نقطة فيه جنوب أميركا الوسطى في وقت مبكر من ثلاثينات القرن السادس عشر. ولكن لم يحدث ذلك إلا في 1878 عندما وقعت كولومبيا، التي كانت تعتبر بنما مقاطعة تابعة لها آنذاك، اتفاقية امتياز مع مهندسين فرنسيين.
ولم تنجح الجهود الفرنسية في نهاية المطاف وأفلست الشركة التي تأسست لغرض إنشاء قناة عبر بنما في 1899، بعد أن فقد نحو 22 ألف عامل حياتهم في المشروع، وكثير منهم بسبب الأمراض والحوادث.
وسعت الولايات المتحدة في 1903 إلى الحصول من كولومبيا على امتياز دائم لقناة. غير أن كولومبيا رفضت الاقتراح. ورداً على ذلك، دعمت الولايات المتحدة استقلال بنما، الذي أُعلن في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه.
وبعد ثلاثة أيام، وقع سفير بنما في واشنطن اتفاقية تمنح الولايات المتحدة حقوق بناء القناة وإدارتها إلى أجل غير مسمى. ودفعت الولايات المتحدة لبنما 10 ملايين دولار ثم 250 ألف دولار سنوياً في مقابل تلك الحقوق. وندّد العديد من البنميين بالاتفاقية واعتبروها انتهاكاً للسيادة.
وشُيدت القناة إلى حد بعيد باستخدام عمال من منطقة الكاريبي وبنميين من أصل أفريقي، وافتُتحت القناة أخيراً في 1914 بعد أن لقى أكثر من خمسة آلاف عامل حتفهم في أعمال الإنشاءات.
في القرن العشرين، تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة وبنما وسط احتجاجات متزايدة على سيطرة واشنطن على القناة، وخصوصاً بعد أزمة قناة السويس في 1956، حينما توقفت الخطط البريطانية والفرنسية لغزو مصر عقب تأميم القناة بعد ضغوط أميركية.
وفي 1977، وقع الرئيس جيمي كارتر معاهدة مع الزعيم العسكري البنمي عمر توريخوس، منحت بنما سيطرة حرة على القناة وضمنت الحياد الدائم للممر المائي.
ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 31 كانون الأول (ديسمبر) 1999. ومنذ ذلك الحين، تدير القناة هيئة قناة بنما التابعة للحكومة، ولا تزال مصدر دخل رئيسياً لبنما.
ساهم تغير المناخ في زيادة حالات الجفاف التي أثّرت على مستويات المياه في البحيرات التي تغذي القناة، مما أجبر سلطة القناة على الحد من عمليات العبور لتحقيق التوازن مع حاجات البنميين من المياه.