الإستعدادات جارية على قدم وساق للجلسة الإنتخابية الثانية التي حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعدها في 13 تشرين الأول المقبل (تصادف أيضاً ذكرى إخراج العماد ميشال عون من قصر بعبدا في العام 1990)، في محاولة جديدة لانتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس ميشال عون. صحيح أنّ بري أنهى الجلسة الأولى، التي كانت أشبه ببروفا لجسّ النبض وكشف الأوراق، بالإشارة إلى أنّ التوافق على اسم الرئيس هو الذي سيتحكّم بموعد الجلسة الثانية، لكنّه بالنتيجة، مضطرّ لمجاراة مقتضيات الدستور والدعوة لالتئام المجلس حتى لو كان الانقسام هو سيّد الموقف.
في الواقع، لم يطرأ أي جديد نوعي من شأنه أن يبدّل في المشهدية الإنتخابية في حلقتها الثانية، ومن المرجح ألّا تختلف مجريات جلسة 13 تشرين الأول عن سابقتها، سواء لناحية الترشيحات المتداولة والتي سيتمّ الاقتراع لها، أم لناحية «السكورات» التي ستنفلش أرقامها أمام النواب وهم يترقبون عدّاد الأصوات التي ستوضع في الصندوقة الزجاجية.
بالتفصيل، تشير المعطيات إلى أنّ ميشال معوض لا يزال حتى اللحظة مرشّح بعض أجنحة المعارضة، فيما تسعى «القوات» جاهدة لتجميع أكبر عدد ممكن للأصوات لمصلحة النائب الزغرتاوي وهي عقدت للغاية سلسلة اجتماعات ولقاءات مع نواب من كتل أخرى لإقناعهم بهذا الخيار، ولكن دون ذلك معوقات كثيرة، تحول دون التحام تكتّل النواب السنّة و»مجموعة الـ13 التغييرية» مع المحور الداعم لترشيح معوض.
إذ يتبيّن وفق المعلومات، أنّ السعودية التي دخلت من جديد على خطّ الملف اللبناني من بوابة الاستحقاق الرئاسي وضمن تفاهم أميركي- فرنسي- سعودي تمّ التعبير عنه في أكثر من محطة ومناسبة، لم تكشف بعد عن أوراقها اللبنانية، وهي تكتفي للحظة بوضع سلّة شروطها على الطاولة، وفي مقدم تلك الشروط حماية اتفاق «الطائف»، واستطراداً البحث في هوية رئيس الحكومة المقبل.
ولهذا، يؤكد المواكبون أنّ جولات ترشيح معوض لا تزال ضمن هامش اللعبة المحلية، وإلا لاصطف النواب السنّة وراءه لو كان القرار السعودي قد اتخذ محدِّداً خيار المملكة للاستحقاق الرئاسي. في المقابل، يشيرون إلى أنّ الخلافات بين مكونات «مجموعة الـ13» حيال ترشيح معوض هي التي تحول دون تبنّيه للرئاسة، خصوصاً أنّ أي كسر في صفوف هذا التكتل سيعرّضه للتحطيم. من هنا، يستبعد المواكبون أن يشهد ترشيح معوض تغييراً جذرياً من شأن رقمه أن يقارب الستين صوتاً ليجعل منه مرشّحاً منافساً خصوصاً أنّ موارنة هذا المحور سيكونون أول من يتصدّى لهذا السيناريو.
في المقابل، ستكون الورقة البيضاء مجدداً هي العامل المشترك بين مكونات قوى الثامن من آذار، بانتظار جولات المنازلة الجديّة التي قد تبدأ بعد محطة 31 تشرين الأول الفاصلة، من خلال دخول قائد الجيش جوزاف عون إلى الحلبة كمرشح محتمل للمجموعات المعارضة، في ضوء المناخ الغربي المؤيد لوصوله لاعتبارات عديدة والذي قد يجعله نقطة التقاء محلية، مقابل ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وهو الأكثر جدية لدى أكثر من فريق، وطالما أنّ ترشيح رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل مطوّق بالعقوبات الأميركية.
وعليه، يتبيّن وفق المواكبين أنّ الجولات الانتخابية التي سيشهدها مجلس النواب قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، ستكون مشابهة للجولة الأولى في نتائجها، بانتظار الكشف عن الأوراق الحقيقية للأطراف المعنية، محلياً وإقليمياً، والتي قد تجعل المشهد الانتخابي في مرحلة لاحقة، محصوراً بمرشحين اثنين لا أكثر: جوزاف عون وسليمان فرنجية.
وفق المؤيّدين لخيار القطب الزغرتاوي، فإنّ ترشيحه لا يواجه عقبات جوهرية قد تحول دون إكماله المسيرة، في ضوء الاندفاع الفرنسي لإتمام الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت، فيما هو أعلن بنفسه أنّ الأميركيين لم يبلغوه ممانعتهم كما لم ترده أي مواقف سلبية من مسؤولين سعوديين تبعده عن السباق الرئاسي، ما قد يفسّر على أنّه لا فيتو سعودياً ولا حماسة أيضاً لترشيحه... أقلّه إلى الآن.
أمّا على المستوى المحلي، فيرى المتحمّسون لخياره أنّ أبرز مقومات معركته تكمن في علاقة النديّة التي تميّزه بـ»حزب الله» الذي يفضّل أيضاً أن يرسو التفاهم على رئيس يطمئن إليه، وهذا خياره الأول، ذلك لأنّ «الوسطية» بمفهوم «الحزب» تعني «الخصومة»، فيما بكركي لا تبدي أي ممانعة لوصول فرنجية، ويمكن لترشيحه أن يكون موضع استقطاب العديد من الأصوات النيابية التي لا تزال إلى الآن مترددة، وتحديداً من البيئة السنيّة. كما هو ابن «الطائف» ومتمسّك به، وهذا ما يجعله موضع اطمئنان بالنسبة إلى السعودية.
لكن في مطلق الأحوال، فإنّ وصول رئيس «تيار المردة» إلى القصر، يستدعي عبور الممر الإلزامي الذي يفرضه جبران باسيل. الأخير، لم يستسلم بعد وقد يستخدم كلّ الأوراق المتاحة التي قد تعيده مرشّحاً في ما لو انقلبت الظروف الدولية لمصلحته. ولكن حين تحين الساعة، قد تكون خياراته محصورة بين جوزاف عون وفرنجية. وحينها يفترض أن يحسبها بميزان مستقبله السياسي: لمن سيركن لضمان استمراريته؟ وكيف سيحمي شارعه من الخصوم وتحديداً «القوات»؟ والأرجح أنّ الكفّة قد تميل لمصلحة رئيس «تيار المردة» خصوصاً أنّ لمؤسسة الجيش مكانة في الوجدان المسيحي بفعل عامل الثقة، ومن شأن ذلك المساعدة على شدّ عصب بعض هذا الجمهور. وقد يكون هذا السبب هو الذي يدفع بعض المسؤولين الغربيين باتجاه تبني ترشيح قائد الجيش.
كلير شكر - نداء الوطن