بعيدا من استحقاقات الترسيم والحكومة والرئاسة، فان من يتابع حراك الكرسي الرسولي، يدرك بحسرة وحزن مآل العلاقة غير السوية بين لبنان وحاضرة الفاتيكان، وتزداد الحسرة على الزيارة البابوية التي كان ينتظرها اللبنانييون بشغف في النصف الاول من حزيران الماضي، والتي لم تحصل نتيجة اعادة نظر فاتيكانية بجدوى الزيارة التي تم تأجيلها الى حين استقرار الاوضاع وعودة الهدوء السياسي والاقتصادي والمالي، وتشكل ارادات لبنانية مغايرة لتلك التي امعنت خرابا ودمارا بلبنان.
"لا يمكن خداع الفاتيكان، والدوائر الفاتيكانية من اعلى الهرم الى آخر دائرة وقسم يعلمون تفاصيل التفاصيل عن الوضع اللبناني، ومنسوب الغضب مرتفع جدا من المستويين الديني والسياسي، وهناك تغيير جذري في طريقة التعامل مع الملفات الموجودة على مكاتب المسؤولين الفاتيكانيين والتي تخص لبنان، والعدد الكبير منها شكاوى ووثائق يتم التحقق اكثر واكثر فيها قبل اتخاذ القرارات تباعا وهي بدأت اصلا، ولم يعد هناك مراعاة وخصوصية للوضع اللبناني لان الممسكين بزمام المسؤولية السياسية والدينية لم يبقوا مجالا للرحمة وبابا للتصحيح الا بالعقاب، والعقاب الفاتيكان عندما يحل قاسٍ جدا لانه يأتي صامتا وبلا ضجيج، ما يعني ان من نزل به العقاب لا مجال له للصراخ والتوجّع حتى لا ينفضح على الملأ".
هذه الخلاصة تعبّر عن الانطباعات التي يعود بها زوار الكرسي الرسولي الذين يلتقون مسؤولين في حاضرة الفاتيكان، ويسمعون كلاما مختلفا جدا عن مقاربة الملف اللبناني لم يكن يرد ولو جزء بسيط منه في السابق.
ويتحدث احد زوار روما لوكالة "اخبار اليوم" قائلا: "ان الاخطر في السلوك الفاتيكاني هو انه يفعل ولا يتكلم، وبعد الغاء زيارة قداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس الى لبنان والتي اعلن عن موعد مبدئي لها وليس نهائيا، فان الفاتيكان نتيجة معلومات ومراجعات هادئة اخذ قرارا بأن يكون قاسيا في التعامل مع القيادات اللبنانية السياسية والدينية، لذلك العاقل هو من يواكب الكرسي الرسولي في اعادة الكنيسة في لبنان كنيسة في خدمة الشعب، وفي وضع القيادات السياسية امام مسؤولياتهم على قاعدة ان ابواب الفاتيكان لن تفتح بعد اليوم لمن خان امانة الشعب ودمر الدولة بكل مؤسساتها وقطاعاتها وعاث فيها فسادا ولم يزل".
ويضيف المصدر: "ان البابا فرنسيس الذي يكثف زياراته الى الخارج على الرغم من الوضع الصحي، وهو يستعد لزيارة البحرين من 3 الى 6 من تشرين الثاني المقبل، وهو لم يمض على الغاء زيارته المبدئية الى لبنان الا اشهر قليلة جدا حتى لا يعطي شرعية لقيادات فقدت اي مصداقية ولانه كما وسبق وسرّب بعد الغاء الزيارة بأنه لن يصافح فاسدين، انما في هذه الزيارات يرسل اشارات واضحة بأن لبنان لم يعد اولوية فاتيكانية في الوقت الحاضر الى حين تبدّل الظروف وزوال الاسباب التي جعلت الفاتيكان غير مكترث كثيرا بالوضع اللبناني مع الحفاظ على صلواته من اجل لبنان وشعبه".
وعندما نسأل المصدر ان كان للغضب الفاتيكاني من حدود وسقف، يجيب:"بالطبع والرهان على الوقت وعلى انتقال لبنان الى مرحلة جديدة، سيكون المؤشر فيها انجاز استحقاقات متعددة يتغير فيها العديد من الاشخاص، ويتغير الاداء السيء الذي يطبع المسار العام في لبنان منذ اكثر من ثلاثة عقود".
الى ذلك، كشف مصدر دبلوماسي لوكالة "اخبار اليوم" ان "الاتصالات واللقاءات على مستويات مختلفة تجري بين الفاتيكان والجمهورية الاسلامية الايرانية لوضع كل الترتيبات لزيارة مرتقبة الى ايران سيقوم بها الحبر الاعظم في النصف الاول من السنة المقبلة وستكون زيارة تاريخية بكل المقاييس شبيهة بتلك التي قام بها البابا فرنسيس الى العراق ولقائه مع المرجع الشيعي الاعلى آية الله علي السيستاني، بحيث ستجمعه قمة روحية مع المرشد الاعلى السيد علي الخامنئي بحيث يكتمل عقد توقيع وثيقة الاخوة الانسانية".
داود رمّال - أخبار اليوم