راجت في الجزائر، تجارة الأعشاب والخلطات في الأسواق الشعبية الموجهة للاستعمال الطّبي، ما أثار الجدل حول الآثار السلبية التي يمكن أن تُحدثها على الصحة العمومية، خاصة بعد تسجيل حادثة وفاة لفتاة بسبب عشبة روجت على أنها "تزيد الوزن طبيعيا".
ورغم أنَّ القانون الجزائري واضح بشأن التسويق لمنتجات بوسم طبية، حيث يستلزم ذلك ترخيصا، إلاَّ أن الأسواق الشَّعبية في الجزائر، تشهد انتعاشا في تجارة الأعشاب الطبية والخلطات الموجهة إما إلى الاستخدام الطبي أو التجميلي.
فقد انتشر على مواقع لتواصل خلال اليومين الماضيين، فيديو لبائع يروج لخلطاتٍ سائلةٍ في سوق بومعطي، شرق العاصمة الجزائر، ممزوجة بأعشاب الكاليتوس، والنعناع ومواد أخرى.
وأكد أنها تشفي من عدة أمراض في نفس الوقت، منها "التهاب عرق النساء، الدوالي، الصداع النصفي، مرض الأوعية الدموية، السعال وغيرها".
كما أضاف البائع الذي كان يعرض سلعته بحماس ويحاول إقناع زبائنه الذين التفوا حوله، يستفسرونه عن فائدتها ويشترون منه، بأنَّ هذا المشروب يُشفي بعد ليلتين اثنتين بقوله: ".. بعد ليلتين أدعوا لي بالخير".
وفاة فتاة
وتزامن الفيديو، مع خبر وفاة فتاة من ولاية سوق أهراس (591 كيلومترا شرق العاصمة الجزائر)، بسبب مضاعفات إثر تناولها لخلطة من الأعشاب تمّ الترويج أنها تزيد الوزن".
وعبّر كثير من رواد التواصل، عن استيائهم من الترويج لمثل هذه الأعشاب بهذه الطريقة دون رقابة: ".. من أين لهذا الطبيب العلم الكافي ليصف الأدوية للناس بدون شهادات ولا دراسة؟ يجب محاسبة هؤلاء".
فيما قال آخر: ".. فوضى حتى في مجال يجب أن يكون حكرا على المختصين فيه، فحتى الطب فيه نسبة نجاح معينة، فكيف يمكن الوثوق بخلطات لا نعلم حتى كيف حُضِرَت؟".
غير أنَّ آخرين عبروا عن ثقتهم بالخلطات لكونها طبيعية: " .. في النهاية وكما يقول المثل، الأعشاب الطبيعية إن لم تفد فهي لا تضر، ليس مثل المواد الكيماوية الموجودة في الأدوية المصنعة في المخابر".
"ما يحدث شعوذة"
من جهته صرح المختص في الصحة العمومية، فتحي بن آشنهو، بأنّ "الظاهرة تعتبر خطرا صحيا كبيرا في المجتمع الجزائري".
وأوضح المتحدث في تصريحه لـ"العربية.نت" بأنّ "السلطات مطالبة بالتحرك فورا من أجل وقف الظاهرة بشكل نهائي، أو ما يُسمى سوق الأعشاب".
كما وَصَفَ بن آشنهو ما يحدث بـ"الشَّعوذة"، كونها "لا تعتمد على أيّ معايير علمية صحيحة"، خاصّة.
وأضاف أنّ "القانون واضح في هذا الشأن، حيث أنَّ أيّ منتوج مرتبط بصحة المواطن يجب أن يحوز تسويقه على وثيقة تصدرها وزارة الصحة والسكن وإصلاح المستشفيات تسمى رخصة الوجود في السوق، والتي بموجبها يتم تدوين كامل المعلومات الخاصة بالمنتوج، من ذلك استخداماته وغيرها".
وفي ردّه على سؤال حول بعض المنتجات التي يعتقد المستهلكون أنها فعَّالة بحكم التجربة، أضاف قائلا: ".. هناك قواعد ومعايير تحتكم إليها منظمة الصحة العالمية، ولا يُحددها البائع، وهي المعايير التي تُثبت فعاليتها لعلاج مرض ما، حسب إحصاء ودراسات طويلة المدة، وليس نقلا من شخص لآخر، كون الحالات تختلف فيما بينها".
"اسأل المجرب ولا تسأل الطبيب"
كما انتقد المقولة الشعبية المعروفة "سال المجرب لا تسال الطبيب" (اسأل المجرب ولا تسأل الطبيب)، كونها مقولة، حسبه "تُكرِّس للقيل والقال في مجال الصّحة، والأصل أن مكان الأخيرة في المخابر ليس في الأسواق الشعبية ووصفات الجدَّات".
وأضاف بن اشنهو بأنّ "الجزائر تنتمي إلى منظمة الصحة الدولية، المسؤولة عن الصحة في العالم" ذاكرا في ذات السياق أنه حتى في حال تمت تزكية أي عشبة، فإن "ذلك يتم في إطار منظم، مستشهدا بفرع في كلية الطب بكندا، تُدرس فيه فوائد الأعشاب على الصحة الإنسانية ولكن في إطار علمي".
يُشار إلى السلطات المختصة، وعلى رأسها وزارة الصّحة والسكان وإصلاح المستشفيات الجزائرية، قد أطلقت حملات من أجل تقييد نشاط بائعي الأعشاب، أو ما صار يُصطلح عليه بـ"الطب البديل"، من خلال إلزامهم بعدم إنتاج الخلطات العشبية والتوقف عن القيام بـ"الإشهار" للادعاءات العلاجية لمختلف الأعشاب مهما كانت الوسيلة الإعلامية المستعملة.