ماذا بعد الشغور الرئاسي؟

أخطر ما نشهده يوميا هو "الاستسلام المطلق" للشغور الرئاسي المنتظر. فكل المؤشرات توحي ان لغة الحوار المعتمدة على مستوى الكتل النيابية في مجلس النواب لن تؤدي الى ما هو معلن عنه من تفاهم على الرئيس العتيد. فلكل ممن يعتقدون انفسهم انهم مكلفون بحكم "الواجب الوطني" بانتخاب الرئيس العتيد، يدركون سلفا ان لكل منهم منبره ومرشحه إلى درجة فقدت فيها الموازين السياسية والنيابية وحتى الاخلاقية توصلا الى تأكيد احترامهم لما يقول به الدستور عندما حدد المهلة الدستورية لانتخاب الخلف منعا لأي خلل على مستوى السلطات الدستورية في البلاد ولتنتظم العلاقات في ما بينها لتمشي عجلة الدولة متى وجدت.

انطلاقا من هذه المعادلة، التقت مصادر سياسية وديبلوماسية في حديثها إلى "المركزية" على التوصيف السالف الذكر والمعادلة السلبية القائمة على اكثر من مستوى إن قيست تأسيسا ليس على مستوى التركيبة النيابية فحسب، بل على المستوى السياسي. فالى الانقسام الحاد بين اللبنانيين على عناوين استراتيجية كبرى، فإن ما يزيد الطين بلة ان المجلس النيابي يفتقد "الاكثرية المطلقة" التي تسمح بانتخاب الرئيس العتيد، وان تحققت في بعض المحطات المحتملة فهي تفتقد الى "أكثرية الثلثين" وهي الاهم في مثل الاستحقاق الذي نحن بصدده ولا يمكن الاستغناء عنها في اي موعد يمكن ان يولد فيه الرئيس العتيد. فهي ومن دون اي نقاش دستوري او سياسي او قانوني تشكل المدخل والمعبر الاجباري لعقد اي جلسة لانتخاب الرئيس بكامل المواصفات الدستورية والقانونية التي تحكمه خصوصا انها محكومة بسلسلة من المواصفات الرئاسية الصعبة والمعقدة والتي لا تبشر بمولد المرشح المطلوب على جناح الحاجة إلى وجوده منعا للشغور "القاتل" في ظل الظروف السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد و الخلاف المستحكم حول آليات الخروج من تعقيداتها.

وعند الدخول في التفاصيل يرى مرجع ديبلوماسي يعتبر من أكثر المراقبين والمتعاطين بالاستحقاق الرئاسي ان جولاته على المسؤولين عززت القناعة لديه باعترافات مزدوجة ومتلازمة، تتحدث عن المعادلة السلبية القائمة في السلطة التشريعية التي تعد ام السلطات ومنبعا لشرعية السلطتين الأخريين، وقد بلغت درجة تساوت فيها أدوار الفاشلين والعاجزين عن القيام بمبادرة ما يمكن ان تكسر الطوق الذي تسببت به "الانقسامات الحادة"، مع أدوار المستسلمين لكلمة سر تأتي من الخارج، وفي موازاة من يعتقدون أنفسهم انهم تحولوا بفعل الانتخابات النيابية الاخيرة والتحالفات الهجينة التي رافقتها الى "بيضة القبان" في الاستحقاق المقبل. فاذا بنا بكل بساطة امام تركيبة عجيبة غريبة عاجزة عن ابتداع الحلول والمخارج مهما كانت مرئية ومقدرة بكل الموازين المعتمدة.

وامام هذه "الفسيفساء المعقدة"، تبدو البلاد على شفير الشغور الرئاسي من دون الضمانات التي تسمح بعبور المرحلة التي يمكن ان تؤدي الى اعتبارها فترة تجريبية قصيرة للغاية لا بد من عبورها وفق قواعد ومعادلات جديدة يمكن ان تؤدي الى اعادة انتظام الحياة السياسية في البلاد.

ومرد هذا الاعتقاد - يضيف المرجع الديبلوماسي نفسه - ان ما بعد محطة نهاية الولاية الرئاسية ستكون الأمور على غير ما هي عليه اليوم لأكثر من سبب. فما شهدته هذه الولاية من توجهات على مستوى الحكم والحكومة أدت الى عزل البلاد عن محيطها الخارجي ووضع البلد الصغير على "طريق الفيلة" فانهارت الدولة ومؤسساتها وبقي ما هو ضامن للامن فيها والحد الأدنى من الوجود السياسي الذي لا يمكن ترميمه ان سقط نهائيا وهي معادلة تحاكي حجم المآزق المتعددة الوجوه والتي لم يتوفر من يعيد ترتيب اولوياتها.

على هذه القاعدة، يستطرد المرجع ليقول ان على اللبنانيين ان يستعدوا للحديث عن لائحة جديدة لمواصفات الرئيس العتيد من ضمن سلة كبيرة تدبر للبلد والمنطقة. فما ادى اليه اتفاق الترسيم من مؤشرات دولية وإقليمية معطوفا على مجموعة الازمات الاخرى المتصلة بالهجرة غير الشرعية وما خلفته ازمة النازحين السوريين معطوفة على الوضع النقدي والمالي تفرض مقاربة أخرى لا تستقيم مع ما هو قائم من اعمدة الحكم في لبنان وانه من الواجب البحث عن صيغة أخرى لا تمس النظام السياسي في لبنان وتركيبة الديمغرافية الهشة والحساسة وهو أمر بات على نار حامية من دون بلوغ مرحلة عقد "مؤتمر تأسيسي" على غرار احدى التجارب السابقة فالبلد لا يحتمل مثل هذا التغيير الكبير الذي أحدثه "اتفاق الطائف" وما نتج عنه من دستور جديد للبلاد ولكنه يحتاج الى ما يشبه "ميني دوحة" مثلا.

وعليه، ختم المرجع الديبلوماسي ليقول إن التجربة التي قادت الى "تفاهم 11 تشرين" او"هدنة 11 تشرين" وايا كانت تسمية ما حصل على الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل يمكن ترجمته سياسيا في لبنان من خلال أكثر من سيناريو يحاكي مرحلة الشغور الرئاسي. لكن المشكلة ان بعضا من المرشحين الحاليين يعتقدون ان حظوظهم سترتفع في المرحلة المقبلة ويتصدرون السباق الى قصر بعبدا في ظل "أوهام وهواجس" شخصية، في ما الاعتقاد يسود ان من سقط في المهلة الدستورية الاولى لا يمكنه ان يكون حاضرا في ما بعدها. وأن السيناريوهات التي تحاكي المرحلة تفرض آلية جديدة للتعاطي مع مواصفات الرئيس العتيد وهويته وشخصيته ومؤهلاته فالمشاريع المطروحة في الكواليس بلغت مرحلة متقدمة وما تحتاجه لبعض الوقت لترى النور بعد ان تحاكي الوضع الاقتصادي والمالي والإنساني وعلاقات لبنان العربية والدولية بصيغتها الملائمة، وان غدا لناظره قريب.

طوني جبران - المركزية

يقرأون الآن