في ظل المؤشرات التي تتحدث عن سيناريوهات مرعبة تلي نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 الجاري، فإن هناك حديثا جديا عن مجموعة من الإجراءات تنفي هذه المزاعم ليس من اجل اعادة انتظام الحياة الدستورية في البلاد ومعالجة خلو موقع الرئاسة فحسب، إنما للجم الفوضى المحتملة في لبنان والمنطقة. فبعد انجاز عملية الترسيم وإطلاق ورشة الاستكشاف واستخراج الغاز من المنطقة غير ما بعدها. وعليه ما الذي يقود الى هذه المعادلة؟
من يراقب الحركة الدبلوماسية الناشطة التي تشهدها البلاد في الداخل او في اتجاهه، لا بد من ان يكتشف حجم الاهتمام الدولي بما يمكن ان تنتهي إليه المحاولات الفاشلة لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية كما بالنسبة الى تشكيل الحكومة العتيدة تزامنا مع الإجراءات المطلوبة من اجل الاسراع بعملية الترسيم والإستعداد لتكريسها على مراحل تؤدي حكما إلى استئناف عمليات الاستكشاف في لبنان واستخراج الطاقة في إسرائيل بما تفرضه من إجراءات لبنانية ودولية واممية وتلك المطلوبة من شركة "توتال اينيرجي" وزميلتها الايطالية "ايني" بانتظار ان يكتمل عقد الكونسورتيوم النفطي بإعادة تكوينه من جديد بتسلم القطريين الحصة الروسية العائدة لشركة "نوفاتيك" والمقدرة بنسبة 20 % والتي أصبحت في عهدة الدولة اللبنانية بعد ان غادر الروس حقول غاز المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية..
على هذه الخلفيات، ينتظر المراقبون الذين تحدثوا الى "المركزية" عودة الموفد الاميركي آموس هوكستين الى بيروت الاسبوع المقبل بطريقة تؤذن بان الترتيبات الاخيرة لعملية الترسيم قد حان اوانها وخصوصا ان عاد ومعه الموافقة الاسرائيلية على الموعد المحدد لعملية تبادل الوثائق ما بين البلدين في حضوره وبضمانته معطوفة على استضافة قوات "اليونيفيل" للاحتفال الذي يمهد للمرحلة الاخيرة من ارسال الوثائق الى الامم المتحدة لحفظها وتكريسها نهائيا كحدود بحرية جديدة ونهائية بين البلدين.
على هذه الخطوة الكبيرة التي طال انتظارها بنيت الرهانات المتعددة الوجوه لما سيكون عليه الوضع في لبنان من بعدها بانتظار ان يجني فوائدها المؤجلة. فالبلد المنكوب يعيش مرحلة من التجاذبات الكبرى نتيجة المناكفات التي ما زالت مستمرة وتهدد الأمن بنسبة كبيرة إن صحت السيناريوهات المرسومة لمرحلة ما بعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحديث المتنامي عن التشكيك المسبق بصلاحية حكومة تصريف الأعمال في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية متى خلت سدة الرئاسة وانتقال صلاحيات الرئيس اليها مجتمعة وسط العديد من الفتاوى التي تنحو الى التلاعب بالدستور واللجوء الى اعراف تعطي رئيس الحكومة هامشا واسعا من الصلاحيات يتجاوز ما هو مسموح به في مبارزة شخصية تتعدى ما هو مسموح به لابراز "الوجه القيادي المفقود" للرجل السني الأول في البلاد على خلفية السعي لاحتلال الموقع الذي كان يشغله الرئيس الاسبق سعد الحريري ويسعى الى تكريسه ميقاتي منذ سنوات عدة فجاء إعتكاف الأخير وتجميد عمله السياسي والحزبي المناسبة الأثمن التي قد لا تتكرر مرة اخرى.
وانطلاقا من هذه المخاوف، تخشى المراجع الدبلوماسية التي تبدي اهتماما بقراءة التوقعات المقبلة والسعي الى التخفيف من سلبياتها قدر الامكان بعد ثبوت الفشل عند اركان المنظومة في عبور استحقاق انتخاب الرئيس الذي يمكنه لوحده ان يمنع الانتقال الى اي مرحلة من مراحل الفوضى الدستورية كانت ام السياسية او الامنية. وهو ما يعزز المخاوف من انعكاسات ما يجري ان تكثفت اعمال الهجرة غير الشرعية باتجاه السواحل الاوروبية او في اتجاهات أخرى تعزز مخاوف حكومات هذه الدول من النتائج المترتبة عليها وهي لم تستوعب بعد حجم النزوح الناجم عن الغزو الروسي لاوكرانيا وما تركته من تداعيات تلقي بثقلها على دول القارة وهي تستعد تباعا الى اجراء انتخابات نيابية تلي تلك التي عاشتها ايطاليا وقد تأتي بموجة من التعصب والتطرف الذي ينذر بالمزيد من التشدد القومي والديني الذي تتحاشاه معظم هذه الدول لما له من ردات فعل سلبية خبرتها بعض العواصم الاوروبية بما شهدته من عمليات انتحارية وارهابية لم تعرفها من قبل أثناء انتشار الإسلاميين الموصوفين بالارهابيين فيها عن طريق الهجرة غير الشرعية فتتجدد المخاوف من عمليات شهدتها مجموعة من الدول التي استقبلت السوريين قبل ان ترفدها موجات الهجرة من اوكرانيا.
والى هذه الحسابات وتردداتها الإقليمية والدولية، هناك خشية جدية إن صحت التوقعات بما ينوي التيار الوطني الحر القيام به في حال لم تشكل الحكومة قبل نهاية ولاية الرئيس عون من دون تشكيل الحكومة العتيدة وبلوغ مرحلة تولي صلاحيات الرئيس الغائب عن قصر بعبدا معطوفة على مجموعة من الفتاوى التي اعدها رئيس حكومة تصريف الأعمال لممارسة السلطة بطريقة تتجاوز القوانين المرعية الإجراء بطريقة قد تستفز كثر فينساق البعض إلى مواجهات غير محسوبة النتائج وخصوصا ان نجح من يخطط لخربطة الوضع الأمني واستدراج القوى الامنية الى مواجهات تعيد اللهيب الى الساحة الداخلية.
وانطلاقا مما هو متوقع، نبهت مراجع سياسية وامنية عبر "المركزية" من مجموعة خطوات قد تكون واردة ومنها الحديث عن شل الحكومة باعتكاف الوزراء المحسوبين على التيار الوطني الحر وحلفائهم ومقاطعة دعوات ميقاتي الى جلسات وزارية ان لم تتطور بعض الممارسات المتوقعة منه بما يؤدي ربما الى فتنة داخلية يهيء لها الحديث عن صلاحيات الرئيس الماروني التي باتت في عهدة الرئيس السني.
وانطلاقا مما تقدم، تقرأ المراجع الدبلوماسية بعض الخطوات التي يهدد بها باسيل وبعض الاحزاب الحليفة لسوريا التي ترفع لواء قضايا النازحين السوريين والتي قد ترتفع لهجتها التصعيدية ان لم تشكل الحكومة الجديدة وبقي وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين في حقيبته إلى استغلال هذه القضية الشائكة بطريقة تلقي اللوم على الرئيس ميقاتي بالنظر إلى ما يضمرون له من خصومة فتنقاد البلاد إلى مرحلة يصح فيها المثل القائل" عليي وعلى أعدائي يارب" وما يمكن ان يضيف إليه معنى آخر باللجوء الى منطق "لا يعنيني ما يمكن ان يؤدي اليه اي قرار او توجه بعد نهاية الولاية ... ومن بعدي الطوفان".
المركزية