بعد أسبوعين من سقوط نظام الأسد ظهر طلال شفيق مخلوف في تسجيل مصور، تحدث فيه عن "شعوره بالأمان وعن "تعاملٍ طيب دفعه للإحساس كابن لهذا البلد" بعد إجراء "التسوية".
وما إن خفّ أثر الصدمة التي أثارها تسجيل مخلوف، القائد السابق "للحرس الجمهوري"، دخل فادي صقر إلى التضامن، الحي الذي كان موقعا لكثير من الجرائم والانتهاكات، باشراف صقر نفسه.
عند البحث عن مخلوف على مواقع المنظمات الحقوقية السورية، سرعان ما ترتسم صورة لرجل عسكري رفيع المستوى، تلطحت يداه بدماء السوريين، بالتوازي مع الترفيعات التي تلقاها على سلم الرتب الخاصة بتشكيلات نظام الأسد.
ذلك كله، لم يكن ذلك كفيلا بوضعه خلف القضبان. على العكس انخرط الرجل في "التسوية" التي كشفت عنها الإدارة السورية الجديدة قبل أكثر من شهرين، وبقي حرا، بحسب ما أكده بنفسه في أواخر ديسمبر 2024.
وتنسحب الحالة على فادي صقر، الذي أشعل دخوله إلى حي التضامن ـ لأول مرة منذ التغيير ـ قبل أسبوع، غضبا ومظاهرات شعبية.
سبب التظاهرات أن صقر أحد القادة البارزين المتهمين بارتكاب سلسلة مجازر في حي التضامن بدمشق، وكشفت صحيفة "الغارديان" عن أبرزها في 2022.
ووفقا لمصادر محلية متعددة، يقيم صقر حاليا في فندق فورسيزن، وسط العاصمة السورية دمشق، محاطا بحراسة مشددة.
هذه المعلومات لم تعلق عليها السلطات الجديدة، ولم تتطرق إلى المظاهرات التي اندلعت جراء دخوله القائد الميليشيوي إلى التضامن.
وكذلك الحال مع الجدل الذي أثاره ظهور مخلوف في تسجيل مصور أمام أحد مراكز التسوية في الساحل السوري، وكأنه رجل عادي لم يسبق أن تولى أي رتبة عسكرية.
لم تكشف الإدارة الجديدة في دمشق حتى الآن عن سياسة واضحة حيال مجرمي الحرب الذين تورطوا في انتهاكات وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وكانوا على ارتباط وثيق ومباشر بنظام الأسد.
لكن في أعقاب تنصيب الشرع، أعلنت أنها بصدد الكشف عن مسار المحاسبة و"العدالة الانتقالية".
وفي الوقت الذي يترقب فيه السوريون الشكل الذي ستكون عليه "العدالة" المنتظرة، تثير الحالة الخاصة بصقر ومخلوف، شكوكا ومخاوف.
كيف يمكن لمجرم حرب كبير في سوريا أن يتجول بحرية في البلد؟ يتساءل كثيرون.
اعتقال ازلام الأسد
وكانت إدارة الشرع أعلنت، قبل أسبوعين، إلقاء القبض على عاطف نجيب، الذي أشعل شرارة الثورة السورية في درعا بسبب ممارسات هيئة تحرير الشام وانتهاكاتها ضد السكان هناك، عام 2011.
وعادت لتعلن، صباح يوم الاثنين، عن اعتقال 3 شخصيات متورطة في ارتكاب مجرزة التضامن الشهيرة، في عام 2013. وقبل ذلك قالت إنها ألقت القبض على قادة ميلشيات صغار ومتوسطي الرتب.
وجاءت هذه الإجراءات في أعقاب سلسلة حوادث "انتقامية،" لم تتبناها السلطات الرسمية، استهدفت عناصر سابقين من قوات نظام الأسد، وقتل فيها بعضهم في مناطق متفرقة من البلاد.
ومن الممكن أن يكون بعض المتورطين في جرائم موثقة بحق السوريين يحملون معلومات حساسة يمكن أن تفيد الأجهزة الأمنية في التحقيقات المستقبلية أو تكشف عن شبكات فساد وجرائم أوسع تضم شخصيات أخرى في النظام السابق، مما يجعلهم بمثابة ورقة ضغط قد تُستخدم في سياقات سياسية أو أمنية.
وقد يدفع الضغط الشعبي السلطات السورية إلى اتخاذ خطوات أكثر وضوحا وفاعلية في مواجهة هذه الشخصيات، خاصة بعد تعبير كثير من المواطنين عن رغبتهم في تحقيق العدالة.
"لا تسقط بالتقادم"
ولا توجد لغاية اليوم سردية متكاملة لدى السلطة الجديدة بخصوص العدالة الانتقالية.
وليس هنالك وضوح في ما إذا كان هناك دور للمجتمعات المحلية وأهالي الضحايا ومنظمات المجتمع المدني السورية في مسار العدالة الانتقالية، أو ما هي المحاكم التي ستتولى تطبيق العدالة (محلية، وطنية، دولية).
مع ذلك، تقول السلطات الجديدة إنها تمضي بعدة مسارات على صعيد "المحاسبة" والعدالة.
ترتبط هذه المسارات على نحو محدد بعملية "التسوية" التي تستهدف عسكريين وأمنيين سابقين وأعضاء من "حزب البعث" وشخصيات لم يثبت أنها تورطت بدماء السوريين.