كشفت مصادر قضائية سورية عن تحقيقات موسعة تجريها السلطات حول تورط النظام السابق، بالتعاون مع حزب الله، في استيراد وتهريب نترات الأمونيوم المخزنة في مرفأ بيروت. ووفقًا للتسريبات الصادرة عن وزارة العدل وإدارة القضاء السوري، فإن هذه الشحنات لم تكن مجرد مواد كيميائية مهملة، بل كانت تُهرّب إلى سوريا لاستخدامها في تصنيع البراميل المتفجرة التي فتكت بآلاف المدنيين وأدت إلى دمار واسع في المدن والمحافظات السورية.
ضباط النظام السابق يكشفون الحقائق
التسريبات، التي أصبحت محور حديث الأوساط السياسية والقضائية، تستند إلى شهادات موثقة أدلى بها ضباط كانوا جزءًا من النظام السابق قبل سقوطه، وتم القبض عليهم لاحقًا. هؤلاء الضباط، الذين كانوا في مواقع حساسة، قدموا شهادات خطيرة تؤكد أن النظام كان يستورد نترات الأمونيوم عبر مرفأ بيروت تحت إشراف مباشر من حزب الله، وبمساعدة ضباط في الجيش اللبناني ومسؤولين في إدارة المرفأ.
توضح التحقيقات أن هذه الشحنات لم تكن مخصصة لأي استخدام مدني أو صناعي، بل كانت تنقل سرًا إلى سوريا حيث استُخدمت في تصنيع البراميل المتفجرة، السلاح الأكثر وحشية في ترسانة النظام. البراميل التي أُلقيت من الطائرات والمروحيات العسكرية لم تكن تميز بين مقاتل ومدني، فمزقت أجساد الأطفال، وسحقت العائلات في منازلها، ومسحت أحياءً بأكملها عن الخارطة، لتصبح أيقونة دموية في سجل النظام السابق.
لكن تداعيات هذه الفضيحة لن تتوقف عند حدود سوريا، إذ تشير التسريبات إلى أن التحقيقات قد تتوسع لتطال مسؤولين لبنانيين كبار، بمن فيهم مدير مرفأ بيروت السابق وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية الذين سهلوا دخول شحنات نترات الأمونيوم وسمحوا بنقلها إلى سوريا، رغم علمهم بخطورة استخدامها.
هذه التطورات تمثل صدمة قاسية للدولة اللبنانية، التي كانت لسنوات تتغاضى عن نفوذ حزب الله وتغوله داخل المؤسسات الرسمية تحت مظلة “ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة”، التي منحته غطاءً سياسيًا وقانونيًا مكّنه من التحرك بحرية داخل البلاد وخارجها. اليوم، ومع هذه التحقيقات، يبدو أن لبنان قد يدفع ثمن هذا التواطؤ، إذ يواجه استحقاقًا حتميًا لمحاسبة المسؤولين عن تسهيل عمليات تهريب مادة شديدة الانفجار، تورطت لاحقًا في أحد أكبر الجرائم في العصر الحديث.
انعكاسات كارثية على المشهد اللبناني
هذه القضية، التي تتشابك خيوطها بين دمشق وبيروت، ليست مجرد فضيحة سياسية، بل قد تؤدي إلى زلزال قانوني يعيد رسم المشهد اللبناني، ويضع الدولة أمام امتحان مصيري. هل ستتمكن السلطات اللبنانية من محاسبة المتورطين، أم ستظل رهينة نفوذ حزب الله، الذي لطالما استخدم الدولة غطاءً لتحركاته المشبوهة؟
الأمر الأكثر خطورة أن هذه التحقيقات قد تعيد فتح ملف انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، والذي لا يزال لغزًا معلقًا في ذاكرة اللبنانيين. إذ إن ارتباط نترات الأمونيوم بعمليات التهريب إلى سوريا يعني أن بعض المسؤولين الذين كانوا يعلمون بحركة هذه المواد داخل المرفأ، وربما تغاضوا عنها، قد يكونون متورطين في الانفجار نفسه، إما عن طريق الإهمال أو التواطؤ.
هل تتحرك العدالة؟
بينما تتوسع دائرة التحقيقات، يبقى السؤال الأبرز: هل ستصل العدالة إلى جميع المتورطين، أم أن هذه الملفات ستُطوى كما طويت من قبلها عشرات القضايا التي تورط فيها النظام السوري وحلفاؤه؟ الأكيد أن سقوط نظام الأسد كشف عن مستنقع من الجرائم التي ظلت مدفونة لعقود، ومع كل يوم يمر، تتكشف طبقات جديدة من التواطؤ والتآمر، الذي لم يقتصر على قمع الشعب السوري، بل امتد ليشمل دولًا ومؤسسات كانت جزءًا من آلة الدمار.
ما يجري اليوم ليس مجرد تحقيق قضائي، بل هو لحظة مواجهة مع الحقيقة، لحظة قد تعيد رسم ملامح سوريا ولبنان، وتضع نهاية لعصر الإفلات من العقاب.