لم يستوعب والد رين عبد الله جمعة، ابنة العام والنصف، أنّ طفلته رحلت نتيجة «إهمال»، كما يقول الأب المفجوع، وهو لا يزال تحت وقع الصدمة، يضيف أنّها قضت نتيجة إغلاق باب باص المدرسة على رأسها، وكانت بصحبة والدتها المعلمة وشقيقها، في حادث أبسط ما يقال عنه إنه «جريمة اهمال». إذ بحسبه، يفترض على سائق الباص أن تعاونه مساعدة كما ينصّ القانون، وكما أكدت المدرسة، «غير أنّ غياب المعاونة سبّب الكارثة، وقد حوّلت حياتنا جحيماً».
تكاد قضية الطفلة رين التي قضت في حادث مأسوي في بلدة كفركلا قبل أيام، أن تتحوّل قضية رأي عام، لا سيما وانّها ليست المأساة الوحيدة التي سجّلت في الأيام الماضية، بل سبقتها مأساة الطفلة سيرين الشقور التي توفيت أثناء خروجها من مدرسة المقاصد في النبطية نتيجة صدم سيارة.
تفتح هذه الحوادث ملفّ الاهمال في المدارس، وتحديداً ملفّ النقل الخارجي، والمدرسة لا تولي هذا الشقّ عنايتها، معظم فانات المدارس غير قانونية، فقد تحوّلت لأصحابها فرصة عمل، وتسعيرة «غير القانوني» تختلف حكماً عن تسعيرة الباص القانوني، وفق ما يقول رئيس بلدية كفركلا حسن شيت، مؤكّداً أنّ الاهمال سيّد الملفّ، وغياب القوانين وعدم تطبيقها شكّلا جزءاً من هذه الحوادث وستتكرّر حكماً».
ويقول: «إنّ قرابة 15 في المئة من باصات النقل المدرسي مستوفية الشروط والباقي غير قانوني، والفوضى تسيطر على هذا الملف، الذي يغلب عليه الربح المادي أكثر من المسؤولية وحماية الطلاب، هذا ناهيك عن غياب مساعد للسائق، ما قد يزيد الحوادث».
دفعت الأزمة الاقتصادية الأهالي إلى البحث عن باص رخيص متجاهلين سلامة أبنائهم، فالتوفير هو الأهمّ في هذه المرحلة. بين الـ500 والـ700 ألف سيختارون حكماً الأرخص، ولو على حساب حياة أبنائهم.
بعض المدارس فرض تأميناً إلزامياً على كلّ باص غير مرخّص وغير قانوني، ولكن حين تقع الكارثة الكلّ يتنصّل من المسؤولية. وحدها الأم التي تخسر ابنها تدفع الثمن أمّا الباقي فينسى بعد أقلّ من شهر...
حين تقع المصيبة تتحرّك الوزارات لإصدار تعاميم وتوجيهات بضرورة تأمين الحماية والتشدّد في الرقابة.
حادثان مأسويان في أقلّ من شهر على انطلاق العام الدراسي، طفلتان في عداد القتلى، اهمال، فوضى، لامسؤولية، قانون لا يطبّق، رين وسيرين لن تكونا آخر ضحايا الإهمال، فالمأساة، كما يقول الوالد، «قد تتكرر طالما أنّ الاهمال هو الحكم»، بحسبه «المسؤولية الاولى تقع على المدرسة التي لم تطبق القوانين بشكل صارم، خسرت طفلتي أمام نظر أمها، ماتت من دون أن نتمكّن من فعل شيء، من المذنب هنا»؟ يرفض الأب اتهام أحد سوى الاهمال، مطالباً بتشديد الرقابة على باصات المدارس «كي لا يكون هناك رين أخرى تموت بطريقة بشعة».
تتكرّر حوادث الباصات أمام المدارس وعلى الطرقات في رحلة الذهاب والعودة، ما زال حادث مفرق كفررمان ماثلاً أمام العيون، شاحنة تصدم باص مدرسة وعشرات السيارات بسبب خلل في المكابح، والحصيلة 11 جريحاً. حادث مأسوي كاد أن يودي بعدد من الطلاب داخل الباص وقد تحوّل كتلة من حديد، ما دفع بمحافظ النبطية الدكتور حسن فقيه الى اصدار قرار يقضي بمنع مرور الشاحنات والآليات الكبيرة في توقيت ذهاب الباصات الى المدارس وعودتها. قرار قد يبقى حبراً على ورق أسوة بقرارات مشابهة. ففي لبنان عادة ما يتحوّل قرار يحمي الناس قراراً منتهي الصلاحية قبل تنفيذه، والسبب، برأي شيت، أنّ «لبنان بلد الفوضى وشعبه غير مسؤول، وبالتالي القانون لن يصبح نافذاً وعليه سيكون المواطن البريء الضحية».
إذاً، فتح حادث رين وسيرين ملف الفوضى والاهمال في باصات المدارس، ملفّاً يفترض أن يأخذ حيزاً مهمّاً من أولويات الجميع كي لا يتحوّل طريق الطلاب الى مدارسهم طريقاً للموت، فهل يتحرّك الجميع قبل فوات الأوان؟
رمال جوني - نداء الوطن