"آخر همّي مين مدّعي... ومين معو حق... ومين بيربح الدعوى... بدّي أعرف من وين لاقى طوابع". هكذا علّق أحدهم في منشور فيايسبوكي على كتاب شكوى مقدّمة أمس من الرئيس نبيه بري وزوجته على القاضية غادة عون بعدّة جرائم أولاها القدح والذم وليس آخرها الافتراء. كتاب الشكوى مدجّج بالطوابع في زمن شحّها وغليان أسعارها. إنه المضحك المبكي حين تصبح كلفة طابع الألف ليرة عشرين ألفاً أو أكثر. هذا إن تكرّم "السماسرة" وقبلوا بأقل من الفريش دولار. هي وحدة مسار بين الطوابع والدولار.
هذه بعض الأرقام. فقد قُدّرت إيرادات الطوابع في لبنان في العام 2022، بحسب الدولية للمعلومات، بـ103 مليارات ليرة بعدما كانت 83 مليار ليرة في العام السابق. الطابع المالي، والمعروف أيضاً بالأميري، من شأنه أن يبرز تراث «الأمة» وتاريخها وتقاليدها ومنجزاتها ويحيي ذكرى أبطالها وأعيادها القومية وجمال البلاد الذي يصدر عنها. لكنه، هنا في ديارنا المجيدة، تحوّل إلى نقمة تضاف إلى قائمة معاناة اللبناني - التي لا تنقصها موا دسمة أصلاً - اليومية. والسوق السوداء تتحيّن الفرصة في هكذا حالات لتدخل على الخط.
إبحث عن المرخّصين
حالياً نحن في أزمة. الطوابع «مقطوعة» وتجارتها آخذة في الازدهار. نتّصل بمدير خزينة الدولة، اسكندر حلّاق، الذي تمّ تعيينه منذ حوالى ثلاثة أشهر لنعرف المزيد عن أسباب الأزمة - الظاهرة. يخبرنا حلّاق عن كلفة الطباعة الباهظة وعدم القدرة على تأمينها نتيجة انهيار الليرة ما أدّى إلى تراجع الإنتاج مقارنة مع حاجة السوق. ومع تزايد التهافت على شراء الطوابع، إن بهدف الاحتكار أو خوفاً من انقطاعها، بدأت السوق السوداء بالانتعاش. لكن مَن هم الأشخاص المخوّلون باستلام الطوابع؟ «هناك فئتان: من يستلمون الطوابع بطريقة قانونية من وزارة المالية، وهم المرخّصون وعددهم 672 - 73 منهم هم غير ناشطين فعلياً - وهم موزعون على كافة الأراضي اللبنانية (بحسب ما يظهر في الرسم البياني رقم 1). أما الفئة الثانية فهي الجمهور الذي لا قدرة لديه على شراء الطوابع من المرخّصين، فيلجأ إلى «صندوق الجمهور» المحصور في محافظة بيروت دون غيرها من المحافظات والذي يفتح أبوابه ثلاثة أيام في الأسبوع (الثلاثاء والأربعاء والخميس)»، كما يجيب حلّاق. أما عن معايير قبول الرخص، فيتعيّن على المتقدم بالطلب أن يكون صاحب مؤسسة ولديه رقم مالي؛ أن يملك مركزاً لبيع الطوابع إيجاراً كان أم ملكاً؛ أن يتمتع بسجلّ عدلي نظيف وأن يتعهد بألّا يبيع الطابع بسعر أعلى من سعره الرسمي. في حين أن عدد مراكز وزارة المالية المخصّصة لبيع الطوابع للمرخّصين يبلغ 25 مركزاً، واحد منها في بيروت و24 موزّعة على المحافظات الأخرى. ويقول حلّاق في هذا السياق: «في كل مركز محافظة هناك ما يُسمّى بالمحتسبية وهي صناديق المالية. لدينا 24 صندوقاً في 24 قضاء، ويُحصر بيع الطوابع في هذه المحتسبيات بالمرخّصين فقط. أي أنه ليس بإمكان المواطن شراء الطوابع منها على عكس صندوق الجمهور».
حجز وحرمان
نسأل مجدّداً عن الأسباب التي ساهمت في ازدهار سوق الطوابع السوداء، فيوضح حلّاق أن الضغط بدأ حين راحت أعداد هائلة تتهافت على صندوق الجمهور متخطّية الـ300 يومياً. «هدفنا، كوزارة مالية، هو تأمين احتياجات الجمهور من طوابع ولا يمكننا منع أحد من الحصول عليها. فصار كل صاحب دراجة نارية يعمل في «الدليفري» ويحمل مبلغ مئة ألف ليرة في جيبه، يشتري 100 طابع ليبيعها بـ300 ألف ليرة»، كما يضيف. لذا، صدر قرار بمنع تسليم أكثر من 100 طابع للشخص الواحد وذلك بعد التأكد من هويته وتسجيل رقم هاتفه. لكن، وكما حال «التذاكي» دائماً عندنا، تبيّن لاحقاً أن أرقام الهواتف المسجلة غير صحيحة في حين أن أسماء كثيرة وهمية. سمّها إن شئت «شطارة» التجار أو فجورهم، لا فرق. أعداد الشكاوى راحت تتزايد بعد اتخاذ إجراءات الحد من الكميات المسلّمة، بحسب حلّاق، لكنه يرى في ذلك الحل الوحيد منعاً لتحكّم من يبيع الطوابع في السوق السوداء بشعب كامل.
بالعودة إلى المرخّصين، أُجريت دراسات إحصائية بيّنت عدم توزيع الطوابع بشكل عادل. فبعض المرخّصين ينجحون بالحصول على كميات أكبر من غيرهم بأشواط في ما يشبه القيام بعملية حجز للطوابع حارمين مرخّصين آخرين من تأمين حاجتهم منها. «من هنا، وبما أن الإنتاج أقل من الطلب حالياً، باشرنا بتقنين عملية التسليم للمرخّصين بحيث لا يحق للمرخّص الواحد شراء أكثر من 15 مليون ليرة دفعة واحدة ما يضمن التوزيع بالتوازي والعدل»، على حدّ قول حلّاق. بدورها، تُعد إعادة بيع الطوابع من دون ترخيص فعلاً غير قانوني. فشراء الطوابع هو للاستخدام الشخصي فقط، إذ في حال قام بها أحد المرخّصين يُفترض سحب رخصته منه. وبشكل عام، تبادر الإدارة الضريبية الى تبليغ الأجهزة القضائية عند ورود أي شكوى من اللجنة المركزية للإشراف والتدقيق لتقوم بعملها كضابطة عدلية. وهنا بالذات، يدخل الملف في غياهب التأخير، إن لم يكن التعثّر من أساسه.
الجيش يدعم
يرى حلّاق أن اتخاذ أي قرارات في الوقت الراهن هو أمر غير ممكن نظراً للماديات المحدودة، لكن يبقى الهدف إعادة تلبية احتياجات السوق من الطوابع. فقد بدأ العمل منذ أسابيع على طباعة 15 مليون طابع بالتعاون مع مطبعة الجيش. لمَ الجيش؟ لأن وزارة المالية طرحت في السوق في العاشر من كانون الأول 2020 ثلاثة ملايين طابع مالي من فئة 1000 ليرة، سبق أن طُبعت في مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني نتيجة اتفاق رضائي بين الطرفين يعود إلى شهر تشرين الثاني 2020. وهو اتفاق قضى بتلزيم المديرية 20 مليون طابع من جميع الفئات، تم استلام 5 ملايين منها سابقاً... وها هي الاتفاقية تُستأنف اليوم. نستفسر من حلّاق عن أسباب تأخير تطبيق الاتفاقية فيشير إلى أن ذلك «جاء نتيجة الأزمة المالية وقد قٌمنا بعدها بتخفيض عدد الطوابع المطلوب بحسب إمكانيات الجيش. وكلما تسلّمنا كمية معيّنة نقوم بعقد اجتماع لجنة الاستلام ونصدر قرار وضعها في التداول».
طباعة الطوابع لا تختلف عن طباعة المال. فهي ليست عملية عادية حيث هناك إجراءات محدّدة يجب اتباعها في خلالها. وقرار الطباعة يكون مشتركاً، يبدأ بِطَلب يرفعه مدير الخزينة إلى المديرية العامة للخزينة وإلى وزير المالية، وذلك قبل المباشرة بالمناقصة لتسلك الأمور مسارها القانوني. في هذا الإطار، صدر في 24/10/2022 قرار وضع بالتداول 5 ملايين طابع من فئة 2000 ليرة وبدأ توزيعها، شرط عدم تسليم أكثر من 200 طابع لأصحاب المهن، والاكتفاء بتسليم 50 إلى 100 منها للأفراد العاديين.
حلّ... لا حلّ
يشير حلّاق في سياق حديثه إلى أن القضاء على سوق الطوابع السوداء يرتكز على نقاط ثلاث: أولاً أن يكون للخزينة القدرة على تعويم السوق بالطوابع، لكنه أمر صعب التحقيق في ظل إقرار قانون الشراء العام وانعدام القدرة على تنفيذ اتفاقيات جديدة. ويأتي تنظيم عملية السحب والتوزيع في المرتبة الثانية وذلك مع الحدّ من الكميات الموزّعة للشخص الواحد. أما ثالثاً، فللرقابة الداخلية دورها الفاعل في عدم السماح لأي شخص بالحصول على الكميات التي يريدها عشوائياً. «طالبنا بتقرير أسبوعي من كافة المراكز يوضح كيفية توزيع الطوابع على أصحاب الرخص. كما قمنا بإرسال كتاب إلى الجهاز الرقابي على الطوابع - الأمين المركزي للإشراف والتدقيق على صناديق الطوابع - التمسنا فيه استيضاحاً حول المهام الرقابية التي قام بها الجهاز، فجاءت الإجابة مرتبطة بجائحة كورونا وأزمة التنقلات والكهرباء والإضرابات»، كما يخبرنا حلّاق. إجابة غير مفاجئة بالطبع. ثم أن ثمة توصية صدرت حديثاً عن الخزينة بانتظار ما ستؤول إليه الأمور، تقضي بفتح صندوق جمهور في كافة المناطق ومراكز الماليات كي لا يبقى التسليم محصوراً في بيروت. فحين يتم تسهيل الحصول على الطوابع تُغلق الأبواب أمام المتحكّمين بالسوق السوداء، من وجهة نظر حلّاق.
ختاماً، وفي وقت تتّجه فيه الكثير من الدول المتقدّمة إلى التخلي عن استخدام الطابع المالي واستبداله بنظام حوسبة JPS، يلفت حلّاق إلى أن العمل جارٍ على تطوير بعض الخطط المستقبلية. إحداها اللجوء إلى ماكينات وسم الطوابع - وهي ماكينات مُسبقة التعبئة تُستخدم حالياً في المصارف ووزارة الخارجية - ما قد يخفّف من وتيرة الطلب على الطوابع الورقية. كما تحدّث عن الـe-stamp، أو الطابع الإلكتروني، وهو يحتاج فقط لمرسوم تطبيقي لبدء العمل به.
للتخلّص من عمليات التزوير والحدّ من ظاهرة السوق السوداء، الحاجة، كما ينهي حلّاق، ليست إلى مزيد من الورق والإجراءات بل إلى قوانين تنظّم العملية برمّتها مرفقة بمزيد من الرقابة. وبالانتظار، حظّاً سعيداً لِمَن يحتاج إلى طابع... أو أكثر.
لِمَن لا يعلم، ظهر أول طابع بريدي في العالم عام 1840 في إنكلترا، في حين كانت مصر أول بلد عربي يُصدر طوابع خاصة به عام 1866 وتلاها المغرب، تونس، الجزائر، السعودية والعراق. العام 1921 شهد صدور أول طابع لبناني - سوري باسم «لبنان الكبير» وكان طابعاً فرنسياً. بعدها قامت مصلحة البريد اللبنانية بإصدار أول مجموعة طوابع موشّحة بعبارة «République Libanaise» في العام 1925، لتُدرج لاحقاً ترجمتها العربية (الجمهورية اللبنانية) في العام 1927. وهكذا بدأت الإصدارات العادية والتذكارية في الظهور ليشهد العام 1946 صدور أول طابع لبناني استقلالي تراوحت قيمته بين عشرة قروش وخمس ليرات.
نقفز إلى الألفية الجديدة حيث أصدرت فرنسا ولبنان في العام 2008 أول طابع بريدي مشترك بين الدولتين يُبرز شجرة أرز على الضفة الشرقية للمتوسط وسنديانة إلى جانب خريطة فرنسا المطلّة على ضفّته الشمالية الغربية. وفي العام 2010 صدر أول طابع باسم الإمام المغيّب موسى الصدر بقيمة 1400 ليرة. وتلا ذلك في 2011 صدور طوابع حملت أسماء وصور نخبة من أعلام لبنان وكباره في مختلف الميادين، ونذكر فيروز وصباح ووديع الصافي وسعيد عقل وحسن علاء الدين (شوشو) وفرقة كركلا وغيرهم.
كارين عبد النور - نداء الوطن