عشية إعطاء صافرةِ انطلاق العرس الكروي العالمي في قطر، لا يزال اللبنانيون يتأرجحون بين الأمل بمشاهدة مباريات المونديال والخشية من حرمانهم المشاركة ولو عن بُعد في كرنفالٍ تتحوّل معه الكرة الساحرة كل 4 سنوات محور الكرة الأرضية بأسْرها.
ومع العدّ العكسي لمونديال قطر 2022، كان سؤال واحد يلح في الآذان: هل يُمنح تلفزيون لبنان الرسمي الحق ببث مبارياتِ كأس العالم فيُسمح لأبناء «بلاد الأرز» بمشاهدتها مجاناً، أم أن أهل البلد المنكوب إما سـ «يُقصَون» عن فاعاليات كأس العالم بقوة الانهيار القاهرة، وإما سيُجبرون ومن «حلاوة الروح» على تكبُّد عبء دفع مبالغ مالية بالدولار الفريش للاشتراك؟
حتى مساء السبت الذي يسبق إقلاع كأس العالم لم تكن الأمور حُسمت بعد، وبقي مصير بث المباريات مجهولاً. والاستعدادات التي كانت تملأ في العادة مع كل مونديال شوارع العاصمة بيروت والمناطق اللبنانية، من بيع أعلام وتيشيرتات وأبواق وغيرها من «عُدة» طقوس الاحتفالات المفتوحة، بدت خجولة جداً.
وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري لم يتمكن بعد من إعطاء وعد جازم للبنانين بأن الاتصالات لتأمين «ممر مجاني» لنقل المونديال قد حلت. فـ «العين بصيرة واليد قصيرة» كما يقال والتفاوض مع الشركة كان لا يزال جارياً حول المبلغ الذي يمكن للبنان أن يدفعه ليُمنح الحق ببث المباريات عبر التلفزيون الرسمي. ولا شك أن المبلغ المطلوب يفوق إمكانات البلد الغارق في أزمته المالية والذي بات عاجزاً عن تأمين الأساسيات فكيف بالترفيه؟ الوزير مكاري أكد في حديث صحافي «أن هناك أكثر من مصدر للتمويل وتم التوصل الى رقم وطريقة للدفع» لكن حتى الآن لم تؤد المفاوضات الى اتفاق تام رغم تقدمها.
العارفون يقولون إن المبلغ المطلوب يصل الى 6 ملايين دولار وبنتيجة المفاوضات تم خفْضه الى 4.5 مليون لكن حتى هذا المبلغ تقف الجهات الرسمية عاجزة عن دفعه. كما يؤكد هؤلاء أن تلفزيون لبنان غير مستعدّ تقنياً ولا بشرياً لمواكبة هذا الحدَث العالمي كما اعتاد أن يفعل في نسخات كأس العالم السابقة.
وأزمة نقْل مباريات المونديال ليست وليدة ساعتها، فالأمر ذاته حدث في العام 2014 وتكرر في 2018 وكان على الدولة اللبنانية في المرّتين أن تفاوض الدولة القطرية وأن تطلب مساعدتها وتوسّطها ليتمكن الشعب اللبناني من مشاهدة المباريات مجاناً على شاشة تلفزيونه الأرضي.
لكن يبدو أن الأمور أشدّ تعقيداً هذه المرة ولا سيما مع الأكلاف الباهظة على دولة قطر لاستضافة هذا الحدَث العالمي الكبير على أراضيها.
أجواء باردة
نتيجة هذا التعثّر لا تزال الأجواء باردة في الشارع رغم كون اللبنانيين من أشدّ «المتحزّبين» لكرة القدم ويتحمسون للمنتخبات وينقسمون في شأنها بقدر ما ينقسمون ويتحمسون لأحزابهم وزعاماتهم السياسية.
بعضهم «نفضوا الغبار» عن الأعلام القديمة ونصبوها على العمارات لكن لم يبلغ الأمر حد «الهستيريا» كما في السابق. فحتى عملية شراء علم كبير باتت عبئاً مكلفاً يعدّ صاحبه للعشرة قبل شرائه.
لكن اللبنانيين الذين اعتادوا اجتراحَ الحلول لكل العثرات، لا شك سيجدون طرقاً لمتابعة مباريات كأس العالم، بعضها شرعي وبعضها الآخر غير شرعي.
القادرون على الدفع بالدولار سارعوا الى الاشتراك بتكلفة راوحت بين 80 و 400 دولار عبر شركات الكابل الشرعية. كما أن بعضهم عمدوا الى شراء ريسيفسر خاص ليتم التقاط بث المباريات عبر موزّعي الكابل المحليين، فيما آخَرون سيلجأون الى مشاهدة المباريات على قنوات تركية أو قبرصية أو أي قنوات يمكن للصحن اللاقط التقاطها ولو على حساب لغة التعليق أو نوعية البث. لكن تبقى هذه الوسائل رهن تأمين التيار الكهربائي من «الدولة» أو كهرباء المولدات وعدم انقطاعه في عز بث المباريات بجدولها الموزّع بين النهار والليل و«غير المنسجم» مع برنامج عمل مولدات الأحياء.
والضليعون بأمر التقنيات الحديثة سيتابعون المباريات من خلال اللايف ستريمينغ على بعض التطبيقات عبر الانترنت على هواتفهم أو أجهزة التلفزيون الذكية مع ما يتطلبه الأمر من سرعة في الانترنت وعدم انقطاعه وهو أمر لا يمكن التكهن به في لبنان.
أما الطريقة الأسهل ولكن الأكثر كلفة لمتابعة المباريات فستكون في المقاهي والمطاعم التي سارع غالبيتها للاشتراك مع بي إن أملاً بتأمين خدمة المشاهَدة للبنانيين من جهة وتأمين مردود إضافي تجد المطاعم نفسها في أشد الحاجة إليه.
«لنا و للناس»
خالد نزهة نائب نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي شرح لـ «الراي» ما تكبّدته المؤسسات السياحية من تكلفة لتأمين بث المباريات وكيف سينعكس ذلك عليها وعلى روادها.
وقال نزهة: «إنه الحدَث الرياضي الأكبر الذي ينتظره اللبنانيون، وهو يحمل نكهةً خاصة في هذا البلد ويشيع حماسة وفرحة. لكن مع تعثر الوصول الى نتيجة بعد المفاوضات المشكورة التي يقوم بها وزير الإعلام فإن المؤسسات السياحية أعدّت نفسَها لمواكبة الحدَث رغم تكلفته الكبيرة إن من حيث التجهيزات وشراء الشاشات العملاقة أو من حيث دفْع الاشتراكات لشركة بي إن التي بلغت نحو 3000 دولار للمؤسسات الصغيرة ووصلت الى 15000 دولار بالنسبة للمؤسسات الكبيرة. هذا عدا عن تكلفة المازوت لتأمين الكهرباء بشكل مستمرّ. ومن هنا فإن المؤسسات فرضت تعرفة إضافية على الفاتورة أو عمدت الى نظام فرض إنفاق مبلغ معين لا يمكن للزبون أن ينفق أقلّ منه».
أما ما يُتوقع أن يدفعه الزبون في كل مرة فأمرٌ لا يمكن الجزم فيه ويختلف من مؤسسة الى أخرى ولكن بحسب ما علمنا لا بد أن يراوح بين 5 و20 دولاراً للشخص الواحد في المباراة الواحدة. ولا شك أن هذا الأسلوب عادل بالنسبة للمؤسسات السياحية التي تفتّش عن وسيلة للاستمرار بعد ما مرت به من أزمات مميتة في الأعوام الماضية. كما أنه وسيلة لبث جو الفرح وإدخال البلاد باكراً في مناخات أعياد نهاية السنة ولا سيما أن من المتوقع أن يكون موسم الأعياد حافلاً ويستقبل الكثير من السواح.
«كثير من اللبنانيين ليسوا قادرين على شراء شاشة أو تأمين كلفة اشتراك» يقول نزهة «وغالبيتهم أيضاً غير قادر على تحمل تكلفة البنزين للوصول الى مكان يبث المباريات. ولا شك أيضاً أن رواد المطاعم ليسوا قادرين على تحمل تكلفة يومية لمشاهدة كل المباريات، لكن رغم ذلك أتوقع أن يكون موسم المونديال جيداً جداً ولا سيما أن البلد بات» مُدَوْلَراً«وثمة فئات قادرة على ارتياد المطاعم والمقاهي بشكل متكرر. المونديال ومن بعده الأعياد سيوجِد حركةً تجارية وسياحية مقبولة».
وكانت وزارة السياحة أعلنت في بيان لها اليوم السبت أنه «مع انطلاق مباريات كأس العالم لكرة القدم 2022، وحيث أنه يترتب على المؤسسات السياحية التي ستقوم بعرض المباريات في صالاتها كلفة مالية، كل منها بحسب قدرتها الاستيعابية، تسمح وزارة السياحة للمؤسسات السياحية التي ستنقل مباريات كأس العالم باستيفاء رسم دخول عن كل شخص او تحديد السعر المطلوب استيفاؤه عن كل شخص بحسب ما تقدّمه المؤسسة، خلال فترة بث المباراة، وذلك بعد إيداع وزارة السياحة نسخة عن لائحة الأسعار باللغتين العربية والإنكليزية للحصول على الموافقة، مرفقة بأوقات البرامج المنوي عرضها».
وأكدت وزارة السياحة على «دورها الرقابي وفق الأنظمة المرعية الإجراء» وطلبت من جميع المؤسسات «أن تُعلِن لوائح الأسعار بشكل واضح على مداخلها، وذلك حفاظاً على الشفافية بين المؤسسات السياحية وروّادها».
وقد انضمت بعض البلديات والنوادي في القرى والمناطق الى المؤسسات السياحية لتؤمّن لأهلها إمكان مشاهدة المباريات عبر شاشات كبيرة. وفي حين كان يمكن لهذه التجربة أن تُعمَّم إلا أنها لا تزل مقتصرة على قسم قليل من البلديات.
لكن رغم هذه الجهود فإن المؤسسات السياحية وحدها لا يمكنها أن تقوم بالحِمل. فالشوارع في بيروت وفي المناطق تفتقر الى الإضاءة ليلاً، وبعض الرواد يأملون بالعودة الى بيوتهم قبل انقطاع التيار الكهربائي وتوقُّف المصاعد. وحتى المواكبة الأمنية للتجمعات الشبابية في المقاهي والساحات لا بد أن تكون متوافرة منعاً لحدوث أعمال شغب في حين أن القوى الأمنية باتت منهَكة مالياً وبشرياً وتُوَزِّع حضورَها في إماكن كثيرة. وفوق كل هذا ينتظر اللبنانيون هدنةً سياسية يكف فيها الأفرقاء عن المهاترات اليومية لبث جو من الاستقرار يؤمّن لمواطني هذا البلد المنهَك إمكانية التمتع باستحقاقٍ رياضي لطالما انتظروه كل 4 سنوات مرة.
لبنانيون يكسبون الرزق من المونديال
«همروجة» المونديال في لبنان لا تقتصر على مشاهدة المباريات أم لا، بل تنسحب أيضاً على عدد كبير من الشباب اللبناني الذي وجد في هذا الحدَث مصدراً لكسب الرزق والعودة الى لبنان بشيء من الدولارات تعينه في مواجهة ما ينتظره من أزمات في بلاده.
مئات الشباب اللبنانيين قصدوا قطر للمساعدة في فاعليات الحدَث الكبير، جزء منهم ككوادر عليا فيما الجزء الأكبر كعاملين ومساعدين في الملاعب.
وفي حين تمكّن البعض ممن ينالون رواتب تفوق 3000 دولار من تأمين مساكن لائقة لهم، إلا أن الكثيرين ممن لم تتجاوز رواتبهم عتبة 1000 دولار اضطروا الى السكن إما بأعداد كبيرة في مسكن واحد أو للسكن في غرف صغيرة جداً قال بعضهم إنها تشبه المستوعبات الحديدية.
لكن رغم الضغوط فاللبنانيون راضون عن هذه الفرصة التي أتيحت لهم. وقد كانت وزارة العمل اللبنانية بالتعاون مع دولة قطر أنشأت موقعاً خاصاً بالوظائف المتاحة في قطر وذلك لتشجيع اللبنانيين على التقدم الى هذه الوظائف ومساعدتهم في تقديم الطلبات عبر الموقع.
الراي الكويتية