لم يكن ينقص اللبنانيين على أبواب موسم عيدي الميلاد ورأس السنة، ان بقي للعيد من معنى في ظل تدهور اوضاعهم المادية وفقر حالهم، سوى اعلان وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، أن الوزارة وجّهت اليوم كتاباً إلى مصرف لبنان يتعلق بالبدء باحتساب أسعار العملات الأجنبية على الضرائب والرسوم التي تستوفيها إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة، على أساس 15 ألف ليرة للدولار الأميركي اعتباراً من 1/12/2022".
وفيما اشار الخليل في بيانه إلى أن "التدبير يساعد في الحدّ من استغلال فروقات الأسعار وكذلك تخفيف التشوهات والخسائر التي تتكبّدها الخزينة"، يطرح اللبنانيون الصوت حول من يخفف خسائرهم والتشوهات التي تصيب الشعب الفقير، وقد بات يشكل الشريحة العظمى منهم، ولماذا توقيت بدء العمل بالدولار الجمركي البالغة تداعياته المادية عليهم، عشية الاعياد عوض انتظار انتهائها لاحتسابه على الـ15000 ليرة ؟ هل للامعان في حرمانهم حق فرحة ندر وجودها، مع منظومة حاكمة تولت عملية نقلهم من النعيم الى الجحيم؟ هل لتغطية نفقات مضاعفة رواتب العاملين في القطاع العام من مدنيين وعسكريين ثلاث مرات، التي دخلت حيز التنفيذ مع صدور الموازنة في الجريدة الرسمية، فتخرج من جيوبهم بأسرع مما دخلت اليها؟ وماذا عن فئة لا بأس بها من اللبنانيين في بعض القطاعات الخاصة لم تقبض حتى اللحظة فلسا اضافيا على رواتبها، نتيجة عدم صدور مرسوم بتصحيح الاجور؟ ماذا عن كل هؤلاء حينما سيضطرون الى دفع فواتير كهرباء مليونية، إن كُتب لهم ان يستنيروا كما وُعدوا بتيار دولتهم لـ8 او 9 ساعات يوميا؟
وبعد، يتضاعف حجم كرة التساؤلات عما اذا كان خلف توقيت الاجراء، طارئ مالي في خزينة الدولة يوجب جمعاً سريعا لعائدات الدولار الجمركي في ظل تراجع
احتياطي المصرف المركزي من 34 مليار دولار عشية اندلاع الازمة عام 2019 الى نحو 9 مليارات دولار راهنا، ما يعني عمليا فقدان ما يناهز 24 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، والاخطر ان النزف المالي الذي تتسبب به السلطة السياسية مباشرة نتيجة ارتكاباتها واخفاقاتها اللامتناهية وهدر المال العام لمنافع شخصية، يتضاعف في ظل استمرار دعم مصرف لبنان، مرغماً، بعض انواع الغذاء والدواء وغيرها من المواد الاساسية الحيوية، في حين تقبع السلطة اياها في مربع النقاهة مرتاحة لترف الوقت وكأن الدولة بأفضل حال، بالرخاء والازدهار ينعم ابناؤها، وقد حرموا من بين دول العالم قاطبة حق متابعة مباريات كأس العالم في كرة القدم عبر شاشتهم الوطنية، لعجز الدولة الفاقدة الرأس ، المشلولة حكوميا، عن ايجاد مخرج يكفل تسديد مبلغ لا يتعدى الخمسة او ستة ملايين دولار لقاء النقل المباشر، وهو رقم ينفقه معظم اركان السلطة السياسية في رحلة استجمام .
منذ يومين، دقت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف، ناقوس الخطر اللبناني، منبهة إلى "أن عدم انتخاب رئيس سيؤدي إلى فراغ سياسي غير مسبوق وانهيار الدولة مجتمعياً، مشيرة الى " إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وضعت خططاً لمساعدة لبنان إن كان عبر دعم الجيش اللبناني أو عبر تسهيل اتفاقيات الطاقة أو دعم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لكن كل هذه التدابير لن يكون لها تأثير ما لم يقم البرلمان اللبناني بعمله بانتخاب رئيس للجمهورية، وقد فشل النواب في ذلك."
ليس تحذير ليف الاول من نوعه ولن يكون الاخير. قبلها، نبه ونصح كثر من المسؤولين الدوليين وحذروا من زوال لبنان ان لم يصلح اللبنانيون وطنهم، بيد ان زعماء دولة الاحقاد وجمهورية الفلتان والتسيُّب لا يهمهم نصح ولا تحذير ولا تحثهم البيانات ، مهما اشتدّت لهجتها، على النزول عن اشجار مصالحهم وارتهانهم للمحاور من اجل انقاذ ما تبقى من وطن، لم يجد من يحيي امس ذكرى استقلاله، ولن يجد غدا من ينتخب له رئيسا. فمفعول الاوراق البيضاء وخفة التعاطي السياسي مع استحقاق مصيري ستتفوق مجددا على ارادة مريدي الانقاذ ومتوسلي وضع حد للشغور الرئاسي.
نجوى أبي حيدر - المركزية