يتوق الأكراد في تركيا لمعرفة ما قد تسفر عنه عملية سلام هشة فيما يزداد شعورهم بعدم الثقة بسبب حملة قضائية استهدفت أبرز منافس للرئيس رجب طيب أردوغان والصمت بشأن الإصلاحات التي قد تحدث بعد انتهاء صراع استمر 40 عاما مع حزب العمال الكردستاني المحظور.
والأمر هنا يتعلق بإمكانية تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في تركيا وهو ما قد يشجع التحركات نحو تهدئة التوترات في مناطق أخرى في الشرق الأوسط. وقد يؤدي الإخفاق في ذلك إلى زيادة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في جنوب شرق البلاد الأقل نموا ويزيد من عدد القتلى الذي تجاوز بالفعل 40 ألفا.
وكانت دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان الشهر الماضي لحل الجماعة بعد مبادرة من حليف لأردوغان بمثابة هدية للحكومة بعد محاولات سابقة لم تنجح في وضع نهاية للصراع. ويطالب حزب المساواة والديمقراطية للشعوب المؤيد للأكراد، ثالث أكبر حزب في البرلمان، الآن باتخاذ خطوات نحو التحول الديمقراطي.
واستجاب حزب العمال الكردستاني للدعوة، وأعلن وقف إطلاق النار فورا وكذلك رغبته في أن يدير أوجلان بنفسه عملية إلقاء السلاح وشدد على ضرورة تهيئة الظروف السياسية والديمقراطية لإنجاح السلام.
وأظهرت مقابلات مع 20 من الأكراد والسياسيين أن الشكوك تفوق الآمال في تحقيق السلام بجنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية وسط حملة على أحزاب المعارضة والاعتقال المفاجئ لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي أثار حبسه على ذمة المحاكمة بتهم فساد أكبر احتجاجات في تركيا منذ أكثر من عقد من الزمن.
وقال النائب عن حزب المساواة والديمقراطية للشعوب جنكيز جندار الذي ينخرط عن كثب في المسألة الكردية منذ أوائل التسعينيات حين فشلت جهود السلام الأولى: "نحن ندخل حقل ألغام. قد يخرج الأمر عن مساره وينتهي بالفشل. هذا وارد".
وعقد الحزب ثلاثة اجتماعات مع أوجلان في سجنه الواقع على جزيرة إمرالي في جنوبي إسطنبول حيث يحتجز منذ اعتقاله في عام 1999. لكنه يقول إن أنقرة لا تطلعهم على أي خارطة طريق بشأن الإصلاح.
ولم ترد الرئاسة التركية على طلب للتعليق على القضايا المطروحة في هذا التقرير، ويقول مسؤولون من حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان إن مسألة التحدث عن عملية السلام متروكة للرئيس.
وقال أردوغان بعد دعوة أوجلان للسلام: "المساحة الديمقراطية في السياسة ستزيد بشكل طبيعي بعد نزع السلاح".
ظهر أحد المؤشرات على القواسم المشتركة مع احتفال الأكراد بعيد النوروز الذي يوافق بداية فصل الربيع في 21 آذار/ مارس. واقترح أردوغان جعله عطلة وطنية بما يتماشى مع مشروع قانون قدمته النائبة عن حزب المساواة والديمقراطية للشعوب جولجان كاجماز سايجيت إلى البرلمان قبل ذلك بيوم.
وقالت سايجيت في حديث صحافي، إن دعوة الطرفين لهذا الأمر كانت مصادفة، لكنها قد تساعد في ترسيخ السلام.
وحظرت تركيا احتفالات عيد النوروز في تسعينات القرن الماضي مما أدى إلى اشتباكات بين الأكراد وقوات الأمن. وبلغت الاشتباكات ذروتها خلال ما عرف "بعيد النوروز الدامي" في عام 1992 حينما قتل العشرات، ومعظمهم في إقليم شرناق حيث لا يزال انعدام الثقة في الدولة منتشرا على نطاق واسع.
وفي احتفالات شرناق بعيد النوروز الأسبوع الماضي، رقص الأكراد ورددوا الأغاني الشعبية. وقال محمد زكي إرميز النائب عن حزب المساواة والديمقراطية للشعوب إن الحزب يجمع آراء السكان المحليين عن الحقوق السياسية واللغوية للأكراد.
وأضاف إرميز، وسط إجراءات أمنية مشددة اتخذتها الشرطة وقواعد عسكرية متمركزة على التلال المحيطة "يتعين على الدولة اتخاذ خطوات، لكن للأسف لا نشعر بذلك على المستوى المحلي".
وفصلت تركيا على مدى العقد الماضي العشرات من رؤساء البلديات المنتخبين المؤيدين للأكراد وسجنت قادتهم واحتجزت الآلاف بتهمة أن لهم صلات بحزب العمال الكردستاني، وهو ما ينفيه الأكراد.
وعبرت الجماعة المحظورة من قاعدتها في منطقة جبال قنديل بشمال العراق عن عدم ثقتها في أنقرة. وتصنف تركيا وحلفاؤها الغربيون حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا.
وقال ممثل لحزب العمال الكردستاني: "لم توقف تركيا هجماتها أو تخفف عملياتها العسكرية منذ أن أعلن أوجلان مبادرته للسلام... لا تزال الطائرات الحربية التركية تحلق فوق رؤوسنا".
وأضاف: "يجب أن تقدم تركيا تنازلات إذا كانت جادة بشأن المضي قدما في عملية السلام، ولم نشهد ذلك حتى الآن".
وردا على سؤال عن العمليات العسكرية، ذكر مسؤول في وزارة الدفاع التركية أن "عملياتنا ستستمر ما دام هناك إرهابيون مسلحون".
وأضاف أن 14 مسلحا قُتلوا في العراق وسوريا الأسبوع الماضي.
بصفته إمام مسجد النبي في ديار بكر، أكبر مدينة بجنوب شرق تركيا، كان عمر إيلير شاهدا على الصراع في عام 2016 عندما قاتلت قوات الأمن المسلحين بالقرب من مركزها التاريخي، والذي دمر نصفه نتيجة لذلك.
وقال إيلير عن أعمال العنف: "تدفقت الدماء والدموع كالسيل". وأشاد بأردوغان لما حققه لرفع الظلم الواقع على الأكراد، الذين يشكلون نحو 20 بالمئة من سكان تركيا البالغ عددهم 86 مليون نسمة. وأشار إلى القيود التي فرضت على اللغة الكردية، بل وحتى إنكار وجود الأكراد كمجموعة عرقية قبل وصول أردوغان إلى السلطة.
لكن إيلير، الذي عينه أردوغان رئيسا لحزب العدالة والتنمية في ديار بكر في كانون الثاني/ يناير، قال إنه لا علم له بالإصلاحات التي قد تلي حل حزب العمال الكردستاني.
وخارج المسجد الذي يلقي إيلير الخطب فيه منذ 14 عاما، في ساحة تعج بالباعة وملمعي الأحذية، لم يكن هناك عدد يذكر من الناس يثقون في عملية السلام.
وقال بهادير، وهو متقاعد عمره 63 عاما لم يكشف سوى عن اسمه الأول نظرا لحساسية الأمر "لقد خدعتنا الدولة مرات كثيرة. أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار مرات كثيرة، ولكن دون جدوى. يجب إطلاق سراح أوجلان ليتمكن من التحدث مع حزب العمال الكردستاني".
وطالب حزب العمال الكردستاني نفسه بالتحدث إلى مؤسسه، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت أنقرة ستسمح بهذا التواصل.
وانهارت آخر محاولة لإنهاء تمرد الجماعة عام 2015، بالتزامن مع تزايد نفوذ وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا والتي تعتبرها تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
ودفع ذلك الحكومة إلى توخي المزيد من الحذر، نظرا لاستمرار نفوذ وحدات حماية الشعب، التي تقول إن دعوة أوجلان لنزع السلاح لا تنطبق عليها.
يسعى أردوغان إلى توافق في الآراء بشأن دستور جديد يُمكّنه من الترشح لانتخابات عام 2028، ومن شأن الدعم الكردي أن يُسهّل ذلك لكن أردوغان يحتاج لتوخى الحذر لأن أي خطوات ينظر إليها على أنها تنازلات مع حزب العمال الكردستاني قد تؤدي إلى نفور الكثير من الأتراك.
واقترح رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم الشهر الماضي تعديلا في تعريف المواطنة حتى لا تشعر المجموعات العرقية الأخرى بالإهمال.
ورفض المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك مثل هذا التعديل الدستوري، لكن وزير العدل يلماز تونج قال يوم الخميس إن تركيا بحاجة إلى دستور جديد يضم "جميع مكونات المجتمع".
وعلى الرغم من ذلك، يرى جندار بارقة أمل، إذ أشار إلى أن أردوغان تحدث مع أحد نواب حزب المساواة والديمقراطية للشعوب في وفد أوجلان خلال عشاء بالبرلمان هذا الشهر، وقال إنه منفتح على لقاء الوفد في أوائل أبريل نيسان.
ويسعى حليف أردوغان القومي دولت بهجلي، الذي أطلق مبادرة السلام في تشرين الأول/ أكتوبر، إلى التوصل إلى حل سريع للعملية واقترح أن يعقد حزب العمال الكردستاني مؤتمرا لحل نفسه في شرق تركيا في أوائل أيار/ مايو.
وذكر جندار أن بهجلي أشار في الآونة الأخيرة إلى أوجلان باعتباره "الزعيم المؤسس" لحزب العمال الكردستاني، على النقيض من تنديده السابق به ووصفه بأنه "زعيم إرهابي" وأيضا "قاتل أطفال".
وقال جندار: "من هنا، نفهم أن الأمور تسير على ما يرام رغم كل هذه الصور السلبية والاعتقالات والحظر وتعيين أمناء (بدلا من رؤساء البلديات)".