جلستان وزاريتان في الخامس والسابع من آب 2025 اعتبرتا تاريخيتان ومفصليتان لناحية وضع أول مدماك في بناء الدولة الفعلية والسيادية اذ أقرت الحكومة حصر السلاح كما أقرت الورقة الاميركية أو ما يعرف بورقة المبعوث الأميركي توم براك التي تتضمّن بنودًا تفصيلية حول آليات نزع سلاح "حزب الله" ومراحله واسترجاع الأراضي اللّبنانيّة كاملة، وترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وبين لبنان وسوريا، وعودة الأسرى، وايقاف الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان.
قرارات لاقت ترحيبا من قبل الولايات المتحدة وفرنسا على اعتبار انها بداية نحو تعزيز سيادة الدولة، في حين رأت مصادر نيابية تابعة لـ "الثنائي الشيعي" في حديث لموقع "وردنا" انه طالما ليس هناك ضمانة بإيقاف الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان يعني انه استسلام وخضوع وخنوع من قبل لبنان. نحن اليوم نريد مصلحة لبنان قبل الاملاءات الخارجية. وهنا نسأل: هل التزم العدو الاسرائيلي باتفاق وقف اطلاق النار؟. هل تم وقف العدوان الاسرائيلي على لبنان وقتل أبنائه؟.
وعلى الرغم من المواقف التصعيدية من قبل "الحزب" الا أن مصدرا وزاريا أكد لموقعنا ان لا عودة عن القرارات المتخذة في جلستي 5 و7 آب لأن ليس من مصلحة أي طرف لبناني سوى الاحتكام إلى منطق الدولة. لبنان اليوم دخل عصرا جديدا، وهناك واقعية سياسية فرضت نفسها داخليا واقليميا. مع العلم ان الوزراء الشيعة الذين انسحبوا من جلسة أمس الخميس لن يكرروا تجربة الاستقالة كما حصل مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006 بل اكتفوا بالاعتراض والانسحاب دون التسبب بأزمة حكومية.
واليوم،جدد رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون خلال كلمة ألقاها في مؤتمر الاقتصاد الاغترابي الرابع تأكيده ان "الطريق صعب ولكن الإصلاح بدأ ".
في ظل هذا الانقسام في المشهد اللبناني، لا بد من التساؤل: هل انطلق قطار الدولة الفعلية في مساره الصحيح أو اننا سنبقى على حافة الانتظار لسنوات وسنوات أخرى؟
المحلل السياسي جورج علم اعتبر في حديث لـ "وردنا" ان "مسار الدولة قد انطلق. وبالتالي، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار القوة التي أنهت الفراغ بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وبيان وزاري وافق عليه معظم أعضاء مجلس النواب. اليوم نحن في مرحلة انتقالية من الساحة الى الدولة". وأشار الى ان "المحور الممانع أراد لبنان ساحة لمواجهة اسرائيل انطلاقا من وحدة الساحات. لكن، هذا الامر أصبح من الماضي اذ لا يمكن للبنان أن يعود ساحة للصراع الايراني- الاميركي وان كان وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي لا يزال يصر على رفض تسليم سلاح حزب الله".
وشدد علم على ان "حصرية السلاح لا بد انها آتية لاعتبارين: الاول، ان هذا السلاح أوصل لبنان الى ما هو عليه الآن. رغم كل الشعارات الشعبوية، عندما وافق حزب الله على وقف اطلاق النار، أخذ في الاعتبار ان معظم تراتبية قياداته العليا قد قتلت والجنوب كما الضاحية الجنوبية لبيروت قد دمرت. لذلك، التكلفة كانت باهظة جدا من خلال ما يسمى وحدة الساحات او التعاطف مع غزة وحماس. الثاني، هناك التزامات حيث ان لبنان التزم بوقف اطلاق النار، وبالقرار 1701 وبالتفاهم الذي تم خلال ترسيم الحدود البحرية، وكان حزب الله شريكا في عملية الترسيم. كما وافق لبنان ايضا على ترسيم الحدود البرية قبل ان يغادر أموس هوكشتاين منصبه. كل ذلك، يشير الى ان الدولة بدأت تسترجع سيادتها رغم ان الامر يتطلب بعض الوقت. لبنان بين الساحة أو الدولة هو مع الدولة، والساحة أصبحت من الماضي".
ولفت الى ان "ما رأيناه من مظاهرات وتصريحات معارضة لتسليم السلاح تصب في الاطار الشعبوي كي يفرض حزب الله شروطه السياسية في الداخل. المزايدات الشعبوية رسالة للداخل وابتزاز للعهد ربما للحصول على كعكة سياسية أو المزيد من المكاسب أو حتى تعديل اتفاق الطائف، مع ان هذا الامر غير وارد . الخطاب الشعبوي تحت شعار مواجهة اسرائيل، أصبح مكشوفا وبعيد كل البعد عن الواقع. لو استطاع الحزب ان يصمد لما قبل بوقف اطلاق النار ولا طلب من الاخ الاكبر نبيه بري أن يفاوض عنه".
وختم علم :"حزب الله يقول انه حريص على الوحدة الوطنية وعلى الدولة، ومن يريد نشر القمصان السود في الشارع يكون يريد حربا أهلية التي ستؤدي الى تفتيت لبنان. هل من مصلحة لحزب الله في ذلك؟ طبعا،لا ."