في محاولة منه لإضفاء معقولية على الرسوم الجمركية المزلزلة للنظام الاقتصادي العالمي، ساق الرئيس دونالد ترامب، معلومات بعينها لتبرير أوامره، لكن تدقيق معلوماتي استند إلى سجلات رسمية، أثبت أن الكثير مما ردده في أبسط وصف «غير حقيقي» ومن بين ذلك فقدان آلاف المصانع وتحصيل مليارات الدولارات لأول مرة، بينما يتضح أن الولايات المتحدة فرضت رسوماً جمركية على الصين منذ أكثر من مئتي عام.
1ـ خفض الضرائب وسد الدين الوطني
ـ تصريح ترامب: «لسنوات، ازداد المواطنون الأمريكيون الكادحون، الذين أُجبروا على الوقوف على الحياد بينما كانت الدول الأخرى تستحوذ على الثراء والنفوذ وكان معظم ذلك على حسابنا والآن حان دورنا للازدهار وبذلك، نستخدم تريليونات الدولارات لخفض ضرائبنا وسداد ديننا الوطني».
ـ الحقيقة: يعتبر هذا التصريح الصادر عن ترامب مبالغاً فيه إلى حد كبير، إذ يصور الولايات المتحدة وكأنها دولة فقيرة تحاصرها القوى الخارجية، في حين أن أمريكا لا تمتلك أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم فحسب، بل إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها أعلى بكثير من أي دولة كبيرة وعلى سبيل المثال، يبلغ نصيب الفرد من الناتج الإجمالي حوالي 90 ألف دولار، مقارنةً بـ14 ألف دولار في الصين و58 ألف دولار في ألمانيا و36 ألف دولار في اليابان.
وليس من المرجح أن تُخفّض الرسوم الجمركية عجز الميزانية فحسب، خاصةً إذا انهار الاقتصاد، بل إن القول بإمكانية سداد الدين الوطني من خلال الرسوم الجمركية ضرب من الخيال.
ووفق خبراء الاقتصاد، فإن الرسوم الجمركية في الواقع تمثل زيادة ضريبية، تُثقل كاهل ذوي الدخل المحدود ويتفق الاقتصاديون على أنها في جوهرها ضريبة على الاستهلاك المحلي يدفعها المستوردون، مثل الشركات الأمريكية، الذين يُحمّلون بدورهم معظم أو كل التكاليف على المستهلكين أو المنتجين الذين قد يستخدمون مواد مستوردة في منتجاتهم. ونظراً لمرونة العرض والطلب، سيدفع المنتجون الأجانب جزءاً من الضريبة إذا انخفضت السلع المباعة للولايات المتحدة ويحصل المنتجون المحليون عملياً على دعم مالي لأنهم يستطيعون رفع أسعارهم إلى المستوى المفروض على المستوردين.
2 ـ الهيمنة التبادلية
ـ تصريح ترامب: «تفرض الولايات المتحدة على الدول الأخرى رسوماً جمركية بنسبة 2.4% فقط على الدراجات النارية، في الوقت نفسه تفرض تايلاند ودول أخرى أسعاراً أعلى بكثير، مثل 60% والهند 70% وفيتنام 75% ودول أخرى أعلى من ذلك وبالمثل وحتى اليوم، فرضت الولايات المتحدة لعقود رسوماً جمركية بنسبة 2.5%. تخيلوا هذه الرسوم على السيارات الأجنبية، يفرض علينا الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية تزيد عن 10%».
ـ الحقيقة: بعض أرقام ترامب مشكوك فيها، فالهند مثلاً تفرض رسوماً جمركية بنسبة 50% على الدراجات النارية وليس 70% وأعلنت مؤخراً عن خفضها إلى 40%، كما أن إحدى أشهر شركات الدراجات النارية الأمريكية تجاوزت هذه الرسوم بالفعل من خلال تجميع معظم الدراجات النارية المباعة داخل الولايات المتحدة في الهند.
وبينما يُسلّط ترامب الضوء على انخفاض الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات الأجنبية، فإنه يتجاهل حقيقة أن الولايات المتحدة فرضت لأكثر من 50 عاماً رسوماً جمركية بنسبة 25% على شاحنات «البيك أب» وهذه الرسوم أعلى بكثير من الرسوم الجمركية الأوروبية على السيارات وفقاً لصحيفة واشنطن بوست.
علاوة على ذلك، تغاضى ترامب عن حقيقة أن التجارة يمكن أن تكون مفيدة للطرفين، حيث يُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر سوق تصدير للولايات المتحدة، وإذا ردّ الأوروبيون، فستكون تلك خسارة كبيرة للمصنّعين الأمريكيين وتعمل التجارة الدولية بطريقة تُهيمن فيها بعض الدول على بعض الأسواق ولا تُنافس بنفس القدر في أسواق أخرى. وعلى سبيل المثال، فإن فرنسا تفرض قيوداً تجارية على النبيذ الأمريكي، تماماً كما تفرض الولايات المتحدة قيوداً تجارية على الملابس الفرنسية.
3 ـ مبيعات السيارات
ـ تصريح ترامب: «تبيع تويوتا مليون سيارة أجنبية الصنع في الولايات المتحدة، بينما لا تبيع جنرال موتورز أي سيارة تقريباً وفورد تبيع القليل جداً ولا يُسمح لأي من شركاتنا بدخول دول أخرى».
ـ الحقيقة: يعتبر خبراء التجارة الدولية هذه المعلومات مضللة إلى حد كبير، حيث تُعد قوى السوق، وليست التجارة، هي العامل الحاسم وكان أداء السيارات الأمريكية ضعيفاً في اليابان لأن اليابانيين يُفضِّلون الطُرز الأصغر حجماً والأكثر كفاءة في استهلاك الوقود، لكن الصينيين يُحبّون السيارات الأمريكية، والتي، خلافًا لادعاء ترامب يُسمح ببيعها هناك وحتى عام 2023، باعت جنرال موتورز سيارات أكثر في الصين مُقارنةً بالولايات المتحدة، لكن المبيعات انخفضت لأن الصين أصبحت تُفضِّل السيارات الكهربائية.
4 ـ منتجات الألبان
تصريح ترامب: «بالمناسبة، تفرض كندا تعريفات جمركية تتراوح بين 250 و300% على العديد من منتجات الألبان لدينا ويُصدرون أول علبة حليب، وأول كرتونة حليب صغيرة بسعر منخفض جداً لكن بعد ذلك تسوء الأمور، ثم تصل إلى 275 و300%».
ـ الحقيقة: يبدو أن ترامب قد نسي أنه أصلح هذا الأمر، حيث أُلغيت التعريفة الجمركية المرتفعة على منتجات الألبان إلى حد كبير في إعادة تفاوض ترامب على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية خلال ولايته الأولى وراهناً لا يُفعّل هذا الدعم إلا بعد أن تصل الولايات المتحدة إلى مستوى معين من المبيعات المعفاة من الرسوم الجمركية خلال عام وهو ما لم يحدث.
5ـ الدعم الخارجي
تصريح ترامب: «مع دول مثل كندا، كما تعلمون، ندعم العديد من الدول ونحافظ على استمراريتها واستمرار أعمالها، في حالة المكسيك، يبلغ الدعم 300 مليار دولار سنويا وفي حالة كندا، يقارب الدعم 200 مليار دولار سنوياً».
الحقيقة: هذه الأرقام خاطئة، حيث يُفترض أن «الدعم» المُقدّم لكندا يشمل المزايا العسكرية التي تُقدّمها الولايات المتحدة لحليفتها في الناتو وفي عام 2024، بلغ العجز في تجارة السلع والخدمات مع كندا حوالي 45 مليار دولار، كما بلغ العجز التجاري مع المكسيك حوالي 172 مليار دولار في العام نفسه.
6ـ ضريبة الدخل والكساد الكبير
تصريح ترامب: «في عام 1913 ولأسبابٍ مجهولةٍ للبشرية، فرضوا ضريبة الدخل ليبدأ المواطنون الأمريكيون، بدلاً من الدول الأجنبية، بدفع الأموال اللازمة لإدارة حكومتنا ثم في عام 1929، انتهى كل شيء بشكلٍ مفاجئٍ مع الكساد الكبير وما كان ليحدث لو استمروا في سياسة التعريفات الجمركية، لكانت القصة مختلفةً تماماً».
ـ الحقيقة: وفق المؤرخين، فإن هذه المعلومات غير حقيقية تماماً، ففي حين كان الهدف من ضريبة الدخل تحويل العبء إلى كاهل الأمريكيين الأثرياء، فإن تكلفة التعريفات الجمركية تقع بشكل رئيسي على ذوي الدخل المنخفض، كما اعتُبرت عائدات الضرائب مصدراً أكثر استقراراً للتمويل.
وكان الرئيس الأسبق ثيودور روزفلت، الجمهوري من أبرز دعاة ضريبة الدخل أما بالنسبة للكساد الكبير، فيُرجع العديد من المؤرخين السبب إلى قانون سموت-هاولي للتعريفات الجمركية، الذي وُقّع عام 1930 وأدى إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي لأنه أشعل حرباً تجاريةً عالمية.
7 ـ 90 ألف مصنع
تصريح ترامب: «منذ بداية اتفاقية نافتا، خسرت بلادنا 90 ألف مصنع، تخيلوا هذا العدد «90 ألف مصنع».
الحقيقة: إحصائية الـ90,000 مصنع مشكوك فيها، لكن الوقع يقول: إن حوالي ثلث المنشآت الصناعية تُوظف أربعة أشخاص أو أقل، مما يحد من قدرتها على الاستمرار والعمل، في حين انخفض عدد المنشآت الصناعية التي يزيد موظفيها عن 500 شخص من 4,535 في عام 2000 إلى 3,316 في عام 2022 وهذا يعني انخفاضاً بنحو الربع وبالطبع فإن الانخفاض المقدر بـ1,219 أقل بكثير من 90,000.
واتفاقية نافتا، هي اتفاقية للتجارة الحرة بين كندا والمكسيك والولايات المتحدة.
8 ـ العجز التجاري
تصريح ترامب: «فُقدت 5 ملايين وظيفة في قطاع التصنيع، مع تراكم عجز تجاري بلغ 19 تريليون دولار. كانت تلك (اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية) أسوأ اتفاقية تجارية على الإطلاق».
الحقيقة: في وقت يُلقي ترامب باللوم على اتفاقية نافتا، فإن محللي اقتصاد يرون أن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية كان عاملاً رئيسياً في تراجع قطاع التصنيع وخلصت دائرة أبحاث الكونغرس، وهي هيئة غير حزبية، في عام 2017 إلى أن «التأثير الإجمالي الصافي لاتفاقية نافتا على الاقتصاد الأمريكي يبدو متواضعاً نسبياً ويرجع ذلك أساساً إلى أن التجارة مع كندا والمكسيك تُمثل نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.
9 ـ 500 مليار دولار
تصريح ترامب: «ستنفق شركة أبل 500 مليار دولار، لم تنفق أموالاً كهذه هنا قط».
الحقيقة: حصل الرئيس السابق جو بايدن على صفقة مماثلة، بعد بضعة أشهر من توليه منصبه، حيث تعهدت أبل باستثمار 430 مليار دولار على مدى خمس سنوات في الولايات المتحدة. وبعد تعديل التضخم، يصبح المبلغ 525 مليار دولار.
10 ـ مئات المليارات من الصين
ـ تصريح ترامب: «إذا نظرت إلى الصين، ستجد أنني حصلت على مئات المليارات من الدولارات خلال فترة ولايتي».
ـ الحقيقة: أظهرت السجلات التي تحتفظ بها هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية أن حوالي 75 مليار دولار قد جُمعت من البضائع الصينية بحلول وقت مغادرة ترامب منصبه في فترته الأولى ودفع معظمها المستهلكون الأمريكيون، كما اضطر إلى إنفاق 28 مليار دولار لإنقاذ المزارعين المتضررين من فقدان أعمالهم التجارية مع دول أخرى نتيجة رد الصين الانتقامي.
11 ـ رسوم جمركية منذ 227 عاماً
تصريح ترامب: «لم تدفع الصين عشرة سنتات لأي رئيس آخر ومع ذلك دفعوا مئات المليارات».
الحقيقة: فُرضت الرسوم الجمركية على البضائع الصينية منذ الأيام الأولى للجمهورية الأمريكية، فقد وقّع الرئيس جورج واشنطن قانون الرسوم الجمركية لعام 1789، عندما كانت التجارة بين الصين والولايات المتحدة راسخة بالفعل كما ولدت الرسوم الجمركية على الصين ما لا يقل عن 8 مليارات دولار سنوياً منذ عام 2009.