"مذاکرات مستقیم یا غیر مستقیم؟" سؤال اليوم في الشارع الإيراني حيال تضارب التصريحات بين واشنطن وطهران حول شكل المفاوضات "مباشرة أو غير مباشرة".
الرئيس الأميركي قال الاثنين إنها ستكون مباشرة، والثلاثاء قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي العكس.
عبارات حاسمة أطلقها عراقجي "لن نقبل أي طريقة أخرى للتفاوض.. ستتم بشكل غير مباشر.. المفاوضات غير المباشرة هي الطريقة التي تقبلها إيران في التفاوض.. التفاوض غير المباشر يمكن أن يضمن محادثة حقيقية وفعالة وسوف نستمر بها".
جاءت تصريحات المسؤول الإيراني، خلال مقابلة مع التلفزيون الرسمي خلال زيارته إلى الجزائر للتباحث في مذكرات التفاهم والتعاون بين البلدين، وكذلك القضايا الإقليمية.
وقال إن "الكرة الآن في ملعب أميركا".
العبارة نفسها، كتبها محمد جواد ظريف، المساعد الإستراتيجي السابق للرئيس الإيراني مسعود بزشكیان، الذي استقال الشهر الماضي.
في الوقت نفسه، ترك عراقجي الباب موارباً بقوله "لم نحدد موعدا لتحويل المفاوضات غير المباشرة إلى مفاوضات مباشرة بسرعة".
وأكد أنه سيمثّل بلاده في هذه المفاوضات وأنها ستُجرى في سلطنة عُمان السبت المقبل، وأنه علم من مصادر بتوكيل ستيف ويتكوف لتمثيل الجانب الأميركي.
المفاوضات من منظور القيادات
في مقال رأي لعراقجي نشرته صحيفة "واشنطن بوست الأميركية"، أكد أن إيران "مستعدة للدخول في تفاعل جاد وإجراء حوار بهدف التوصل لاتفاق".
وقال إن المفاوضات غير المباشرة "ليست تكتيكا ولا تعكس توجها أيديولوجيا" إنما تمثل خياراً إستراتيجياً اتخذته طهران بناء على الخبرة.
وتابع: "نحن نواجه جدارا كبيرا من انعدام الثقة ولدينا شكوك جدية بشأن صدق النوايا. شكوك تفاقمت بإصرار الولايات المتحدة على استئناف سياسة الضغط الأقصى قبل أي تفاعل دبلوماسي".
واستطرد قائلا: "للمضي قدما نحو المستقبل، يجب علينا أولا التوصل إلى فهم مشترك لهذه الحقيقة المبدئية بأنه لا يمكن أن يكون هناك "خيار عسكري"، فضلا عن "حل عسكري"، والرئيس (الأميركي) يدرك ذلك.
"إذا تم احترامنا، فسوف نرد بالمثل.. توجد الآن فرصة للولايات المتحدة بان يكون لديها رئيس للسلام وما إذا كانت ستغتنم هذه الفرصة أم لا، فهو خيارها"، تابع في المقال الذي نشر الثلاثاء.
وفي الأسبوع الماضي، قال مستشار الأمن القومي مايكل والتز لبرنامج "واجه الأمة" على "سي بي إس" إن الرئيس ترامب سيطالب "بالتفكيك الكامل" لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني.
من جهته، قال ظريف إنه يدعم توجه عراقجي لأنه "أثبت سابقاً قدرته وعزيمته على الوصول لاتفاقات ثنائية مفيدة".
وإذا استطاع الفريق الأميركي "أن يُبدي المثل، بحسب ظريف فإن "صفقة يمكن أن تؤدي إلى مستقبل أفضل ستكون في متناول اليد".
وفي فيديو يظهر ظريف والرئيس الإيراني السابق حسن روحاني جنباً إلى جنب، يقول الأخير إن المفاوضات المباشرة مع وزراء الخارجية خلال مفاوضات الاتفاق النووي (2015) هي التي فتحت الطريق للتفاهم.
بدورها، قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني إن المفاوضات لن تكون مباشرة.
وأضافت بحسب ما نقبت عنها وكالة "إيرنا" الرسمية: "نحن نؤمن بالمفاوضات، وقد أعلنّا سابقا أنه إذا خُوطبنا بلغة الاحترام، فسنتفاوض".
وأكدت أن طهران ستركز على المصالح الوطنية من الموضوعات المطروحة في المفاوضات، لكن أي تفاصيل أخرى حول ستتبلور لاحقاً خلال العملية التفاوضية.
وأعربت عن أملها في أن تكون المفاوضات "عقلانية وتسفر نتائجها عن تحسين أوضاع الشعب".
هي أيضاً قالت إن المفاوضات ستجري في عُمان.
وأضاف الثلاثاء "لو كانت المفاوضات غير مباشرة، لما تمكّنا من التوصل إلى الاتفاق حتى في 20 سنة، وليس فقط في عامين"، في إشارة لتأييده مسار المفاوضات المباشرة.
لكنه يستدرك "الآن على كل حال، الوضع مختلف، وفي ظل ظروف مختلفة، يجب أن نتعامل بشكل مختلف".
وتابع روحاني "في الوضع الحالي، علينا جميعا أن نبذل الجهد وأن نتحدث بصوت واحد في مواجهة الأعداء".
"كلما قللنا من الخلافات وزدنا من الوحدة والتماسك الوطني، زادت فرص نجاحنا في المفاوضات، وسنتمكن من منع نتنياهو من تحقيق أهدافه"، قال روحاني، وفق ما نقلت فضائية "إيران إنترناشونال" ومقرها لندن.
وفي مؤتمر صحفي الاثنين، قال المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي، إن ايران لم ولن تتفاوض مع أحد بشأن قدراتها العسكرية.
وردا على سؤال عن بعض الادعاءات بشأن إعلان إيران الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في حال تفعيل آلية سناب باك و رد فعل إيران بشأن ضرورة التفاوض بشأن الصواريخ الباليستية الإيرانية قال: "إيران لم ولن تتفاوض مع أحد بشأن قدراتها العسكرية وإذا أُثيرت هذه المواضيع في المفاوضات، فجوابنا واضح، كما أن التهديد بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ليس قضية جديدة".
المفاوضات بعيون الإعلام والناس
يعوّل الكثير من الإيرانيين في الداخل وحتى الخارج ممن ينتقدون النظام على المفاوضات بين واشنطن وطهران، باعتبارها سبيلاً لرفع العقوبات الأميركية والدولية عن بلادهم، بالتالي تحسّن الظروف المعيشية المتردية اقتصادياً.
في الوقت نفسه، تُظهر حرب التصريحات المتبادلة بين الجانبين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، أن الخطى ثقيلة نحو السبت المُنتظر واحتمالية متأرجحة في أن يفضي لشيء لاحقاً.
مساء الثلاثاء بتوقيت واشنطن، أعلن البيت الأبيض مجددا أن المفاوضات ستكون "مباشرة".
وقالت المتحدثة الإعلامية كارولين ليفيت إن "إيران تتجه نحو إبرام اتفاق نووي".
وفي الصحافة المحلية الإيرانية، ظهرت اتجاهات عديدة تناقش المفاوضات المرتقبة: مباشرة أم غير مباشرة؟ لماذا أحدها أفضل من الثاني؟ هل ستكون خطوة مجدية؟ وما العواقب المحتملة لعدم نجاحها؟
الرأي الشعبي يتوق للعتق من العقوبات المفروضة على بلاده، خصوصاً أن الساسة طالما جعلوها شمّاعة أغلب المشكلات الاقتصادية.
ومنذ استقالة وزير الاقتصاد الإصلاحي المدعوم من المعتدلين في إيران على رأسهم الرئيس مسعود بزشكیان، لم يتم تعيين خلف له.
وتيار المحافظين الذي عزله، وعبر وسائله الإعلامية، لا يدعم أي تقارب من أي نوع مع الولايات المتحدة.
وقالت وكالة رويترز الأحد الماضي، أي قبل إعلان ترامب عن المفاوضات، إن المرشد الأعلى علي خامنئي وضع القوات المسلحة الإيرانية في حالة تأهب قصوى.
وفي تصريح سابق لخامنئي فبراير الماضي، وصف أي تفاوض بين واشنطن وطهران بأنه "ليس قرارا حكيما ولا شريفا ولا ذكيا".
كما يعتقد أن المفاوضات حول السلاح النووي لن تؤدي لرفع العقوبات، ولن يكون له أي تأثير في حل مشكلات البلاد.
وفي مقابلة مع وكالة أنباء "فارس"، قال الدكتور حسن بشير، أستاذ علم الاجتماع في مجال الاتصال الدولي والتواصل بين الثقافات في جامعة "الإمام الصادق":
"المفاوضات غير المباشرة رغم عيوبها، تُعد خيارا أقل ضررا في المرحلة التمهيدية. مع ذلك، قد تسعى إدارة ترامب إلى إيصال هذه المفاوضات غير المباشرة إلى طريق مسدود بطريقة غير مباشرة، بغية الانتقال لاحقاً إلى مفاوضات مباشرة تُعتبر إنجازاً دبلوماسياً لها".
وجاء في تقرير لصحيفة "اعتماد" أن إيران وكلما ابتعدت عن الدبلوماسية "سيملأ الفراغ مغامرون مثل نتنياهو".
كما أن الشعب "لم يعد يرغب بأن يقود المتشددون مصير البلاد".
وأضافت الصحيفة الناطقة بالفارسية تحت عنوان "الكرة في ملعب ترامب"، أن إضعاف إيران "لن يخدم أميركا أو المنطقة، لأن إيران تمتلك موارد بشرية وثقافية واستثمارية كبيرة".
"حتى أن إسرائيل لن تستفيد من زعزعة استقرار إيران، لأن شعبيتها الإقليمية والدولية محدودة، بينما لا تزال إيران تحظى بصورة شعب تقدمي في نظر الرأي العام العالمي"، وفق ما أورد التقرير.
ونقلت وكالة "إيسنا" عن مصادر "مطلعة" قولها "مجرد الرد على الرسالة التي أرسلتها وزارة الخارجية الإيرانية في 27 آذار (مارس) الماضي إلى سلطنة عُمان لتسليمها إلى الحكومة الأميركية، وعدم تجاهل رسالة دونالد ترامب، كان له تأثير إيجابي في تهيئة الظروف لبدء المفاوضات غير المباشرة".
"تلقت إيران رسالة من الولايات المتحدة تفيد بأن الحكومة الأميركية مستعدة لبدء المفاوضات في أسرع وقت ممكن"، وفق الوكالة.
وأشارت إلى أن مفاوضات السبت ستتناول جداول أعمال المفاوضات، موضحة أن إيران تلقت إشارات إيجابية بشأن هذه الجداول، لكنها شددت على أنه لا يوجد أي أمر مؤكد قبل البدء.
في سياق متصل، أشارت وسائل إعلام إيرانية إلى تحسن طفيف في سعر التومان الإيراني (1 تومان = 10 ريالات) بمجرد إعلان ترامب الاثنين عن المفاوضات السبت المقبل.
قالت صحيفة "راه ديالمة" إن على الحكومة في طهران التقاط هذا التأثير للتأكد من إيجابية المضيّ في مسار التفاوض، عازية الفضل للتيار الإصلاحي.
الصحفي بهروز عزيزي كتب على حسابه في "إكس": "أتمنى دعم عراقجي عشية محادثات عُمان حتى نتمكن من إيجاد حل كريم لرفع العقوبات... نحن نثق في قائد الدبلوماسية وقد أثبت بالفعل التزامه وخبرته".