أقرّ رجل الأعمال السوري قائد مجموعة صقور الصحراء سابقاً محمد جابر بإشرافه على مجموعات من المسلحين الذين شاركوا في العملية العسكرية التي قادها العميد غياث دلا في السادس من آذار/ مارس، وذلك في مقابلة جمعته مع مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، على قناة "المشهد" مساء الثلاثاء.
غير أن جابر ميّز بوضوح بين دوره في الإشراف على هذه المجموعات المسلحة، واصفاً عناصرها بأنهم فقراء ومظلومون، وبين المجموعات الأخرى التي شاركت في العملية العسكرية بقيادة دلا والتي لم ينكر أنها من "فلول النظام". ويوحي هذا التمييز بعدم وجود تنسيق تامّ بين الطرفين، وربما باختلاف أهداف كل منهما.
ورفض جابر تهمة دعم المجموعات المسلحة بالمال والسلاح التي وجهها إليه عبد الرحمن، وكرر أكثر من مرة أنه لم يدفع دولاراً واحداً، محاولاً في الوقت ذاته تأكيد نقطتين أساسيتين: الأولى أنه قبل بالإشراف على عمل المجموعات المسلحة بهدف ضبطها ومنعها من التعرض لأبناء الطائفة السنية أو تصفية الأسرى. والثانية أن مشاركته كانت بمثابة ردة فعل على عمليات الإعدام الميداني التي تعرّض لها مئات العلويين في الفترة السابقة.
وكان ثمة توافق بين جابر وعبد الرحمن على أنه إن لم يتغير أسلوب تعاطي الإدارة السورية مع العلويين وتتوقف المجازر، فإن معارك جديدة سوف تندلع وقد تكون أشد قوة وتنظيماً، وهو ما هدد به جابر صراحة، مشيراً إلى عدم استبعاده خوض غمار معركة جديدة ضد السلطات القائمة.
ولم تكن هذه نقطة التوافق الوحيدة بينهما، إذ أكد عبد الرحمن أنه وجه الاتهام إلى جابر بتمويل العملية ردّاً على محاولات وصفها بأنها عملية انقلابية تديرها إيران و"حزب الله"، وهو ما وافق عليه رجل الأعمال السوري عبر تأكيده محدودية العملية وعدم وجود تمويل لها.
وجاءت اعترافات جابر لتثير الكثير من التساؤلات، خصوصاً أنها صدرت عنه وهو في روسيا، وبالتزامن مع الموعد المحدد لصدور تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها أحمد الشرع، رئيس سوريا الانتقالي، للتحقيق في أحداث 6 آذار/مارس.
هل اعتراف جابر من روسيا يجعل لها دوراً؟
وبشأن هذه النقطة، يقول المعتصم الكيلاني، وهو خبير قانوني وباحث في القضايا الدولية، إن إدلاء جابر باعترافاته العلنية من داخل روسيا "لا يمكن فصله عن السياق السياسي والدولي الراهن. فظهوره بهذا الشكل قد يشير إلى موافقة ضمنية أو غض طرف متعمد من موسكو، التي لطالما دعمت شخصيات موالية للنظام السوري وراعت بدقة توازنات القوى داخل الأراضي السورية".
ويضيف الكيلاني، أن "وجود جابر الآمن على الأراضي الروسية، وإدلاءه باعترافات خطيرة دون اعتراض علني من السلطات، يوحي برسالة سياسية مفادها أن روسيا لا تزال تحتفظ بنفوذ مباشر على ملفات حساسة في الساحة السورية، وربما تستخدم هذه الأوراق لتحقيق مكاسب سياسية أو تفاوضية في المستقبل".
وبشأن توقيت الاعترافات عشية تقديم تقرير لجنة تقصي الحقائق، يرى الكيلاني أنه "مجرد مناورة مكشوفة تهدف إلى تضليل العدالة والتلاعب بالرأي العام الدولي"، فاختيار هذا التوقيت الحساس "يكشف عن محاولة مدروسة لإرباك عمل اللجنة، وتوجيه نتائجها بما يخدم أجندته الخاصة ومن يقف خلفه".
ويرى القانوني السوري أن "وجود جابر في روسيا، وعلاقاته العميقة مع طهران، يضاعفان الشبهات بشأن تورط قوى إقليمية ودولية في هذه العملية السياسية المفضوحة. بل أبعد من ذلك، تمثل تصريحاته رسالة تهديد علنية موجهة إلى الفصائل المحلية والدول الكبرى، مفادها أن بوسعه، متى شاء، تفجير الساحة مجدداً وإعادة خلط الأوراق".
التوصيف القانوني للفعل ورد الفعل
استناداً إلى اعترافات جابر بقيادته للعملية العسكرية التي أودت بحياة عناصر من الأمن العام، فإن توصيف أفعاله لا يخرج عن كونه ارتكاباً لجرائم حرب جسيمة، نظراً إلى استهدافه أفراداً محميين بموجب القانون الدولي الإنساني، وفق الكيلاني.
ويتحمل جابر كذلك مسؤولية القيادة الجنائية، ما يجعله مسؤولاً لا فقط عن أفعاله المباشرة، بل عن الجرائم التي نفذها مرؤوسوه تحت إشرافه وتحريضه، وفق القواعد الصارمة للقانون الدولي.
وفي المقابل، يؤكد الكيلاني أن "الرد العنيف على التمرد المسلح، الذي تضمن مجازر ضد المدنيين والأسرى، لا يتناسب مع الفعل الأول من الناحية القانونية".
ويضيف أن المجازر التي تُرتكب ضد المدنيين أو الأفراد الذين لا يشاركون مباشرة في القتال هي انتهاك صارخ للقانون الدولي، وتشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC).
ويشير إلى أن التوصيف القانوني للفعل المنسوب للفصائل المنفلتة التي ارتكبت المجازر ضد المدنيين أو أسرى الحرب يندرج تحت تصنيف "جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية إن كان الهجوم منهجياً أو واسع النطاق ضد مجموعات سكانية معينة".
هل يمكن ملاحقة جابر قضائياً؟
ويستبعد الكيلاني أن يُلاحق جابر قضائياً في روسيا لمحاكمته على الجرائم المنسوبة إليه. ويقول: "شبه مستحيل عملياً، لأن روسيا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، وأعلنت صراحة رفضها أي تعاون مع المحكمة، بما يشمل تسليم الأفراد المتهمين بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية".
ويضيف أن وجوده في روسيا يمنحه حصانة واقعية ضد أي محاولات تسليم أو ملاحقة قضائية عبر القنوات التقليدية مثل التعاون الدولي أو أوامر القبض الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
لكنه يشير إلى وجود خيارات بديلة: أولاً، ملاحقة جابر أمام محاكم بعض الدول التي تطبق مبدأ "الاختصاص القضائي العالمي"، مثل ألمانيا، فرنسا، السويد، أو إسبانيا، شريطة أن يغادر الأراضي الروسية ويتم توقيفه في بلد يسمح بمثل هذه المحاكمات. ومع ذلك، تبقى فرص تفعيل هذه المسارات محدودة سياسياً بسبب الحاجة إلى إرادة سياسية قوية من الدول المعنية، فضلاً عن حماية روسيا له.
وثانياً، من خلال إدراج بعض الدول اسم جابر على قوائم العقوبات الدولية أو الوطنية (مثل عقوبات الاتحاد الأوروبي أو قانون قيصر الأميركي)، ما يؤدي إلى تجميد أصوله ومنعه من السفر، إن لم تكن هناك إمكانية لملاحقته جنائياً في الوقت الحالي.