أعطى اتفاق انسحاب عناصر قوات قسد من مدينة حلب انطباعاً بأن قسد تتجه لإتمام تنفيذ التفاهمات التي تم توقيعها مع الحكومة السورية مطلع شهر آذار/مارس الماضي، إلا أن المعلومات التي حصل عليها موقع تلفزيون سوريا تشير إلى ترتيبات تعمل عليها قسد في مواجهة حكومة دمشق.
وبحسب المعلومات، فإن قسد اتخذت قرارها بالتحرك داخلياً وخارجياً بعيد صدور الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية في سوريا، والذي اعتبرته تجاهلاً لدورها، خاصة فيما يتعلق بالتأكيد على تسمية الجمهورية العربية السورية.
وتؤكد المصادر أن قسد، من خلال تنفيذ بعض الاتفاقيات مع دمشق مثل الانسحاب من أحياء حلب والعمل على وقف الاشتباكات في منطقة سد تشرين، تحاول امتصاص الضغط التركي السياسي والعسكري، لكنها تركز حالياً على إعادة التموضع في محافظة الحسكة وبعض مناطق ريف حلب ذات الغالبية الكردية، لتكون مراكز ثقل لها تدعم من خلالها موقفها السياسي.
توحيد موقف الأكراد السوريين
تعمل قسد والمجلس الوطني الكردي السوري على إقامة مؤتمر عام خلال شهر نيسان/أبريل الجاري، بهدف الإعلان عن موقف كردي موحد، والتفاوض مع حكومة دمشق لتحديد آليات المرحلة الانتقالية، بغض النظر عن الاتفاق الذي تم توقيعه سابقاً مع الحكومة.
ويدور الحديث في الأوساط الكردية عن توجه المؤتمر لتبني مطلب اللامركزية، والتأكيد على النظام البرلماني وليس الرئاسي، إلى جانب تضمين الدستور السوري حقوق الشعب الكردي، حيث تنظر قسد إلى قرارات الإدارة السورية في دمشق على أنها محاولة لفرض رؤيتها على المكونات السورية.
تنسيق الموقف مع السويداء في الجنوب السوري
تحرص قسد على تنسيق المواقف مع أبناء السويداء في الجنوب السوري في مواجهة حكومة دمشق، خاصة مع كوادر منتمية لحزب اللواء، والمجلس العسكري الذي أُعلن عن تأسيسه مؤخراً في السويداء، وناشطين سياسيين مستقلين.
ووفقاً لما علمه موقع تلفزيون سوريا، فإن قسد تستضيف بشكل دوري ناشطين وقيادات ميدانية من السويداء في ورشات تدريبية على الإدارة والتنظيم العسكري.
وتتقاطع قسد مع مكونات من السويداء في مطلب اللامركزية الإدارية، وتسعى لتدعيم موقفها من خلال هذا التشبيك.
تكثيف الاتصالات الدولية والإقليمية
لا تزال قسد تتصرف على أنها كيان منفصل عن الدولة السورية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، إذ تمتلك اتصالات مع القيادة المركزية ضمن الجيش الأميركي، بالإضافة إلى دول عربية وخليجية مثل العراق والإمارات.
وتعمل قسد من خلال هذه الاتصالات على التأثير في القرار الأميركي فيما يتعلق بالبقاء في سوريا أو الانسحاب منها، خاصة مع قيام القوات الأميركية بعملية إعادة انتشار عبر سحب جزء من القوات المنتشرة في الحسكة ودير الزور باتجاه العراق منذ مطلع نيسان/أبريل الجاري.
وتستخدم قسد في جهودها ورقة التخويف من عودة ظهور داعش في حال غادرت القوات الأميركية وانقطع الدعم الاستخباري عنها.
كما أسست قسد مؤخراً غرفة عمليات تنسيق أمني مع الحكومة العراقية، بعيداً عن المسار الذي يجري العمل على إنشائه بين بغداد ودمشق.
وتركز أيضاً على إجراء اتصالات مكثفة مع الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، للحفاظ على خيارات بديلة في حال قررت الولايات المتحدة الانسحاب بالفعل من سوريا، خاصة أن إدارة ترامب تبدي رغبة كبيرة بتطوير العلاقات مع أنقرة، ما قد يكون على حساب قسد.
وتبذل قيادة قسد جهوداً للإعلان عن مظلة إقليمية تضم أكراد سوريا وتركيا والعراق وإيران، لكن يبدو أن هناك صعوبات تواجه تطبيق هذه الرؤية في ظل التقارب بين حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي في تركيا والتحالف الحاكم، والزيارات المتبادلة الأخيرة بين الطرفين.
عموماً، من الواضح أن المعطيات الدولية والإقليمية لم تعد تصب في صالح قسد كما كانت في السابق، والتصريحات التي أطلقها ترامب مؤخراً حول تهنئته للرئيس التركي أردوغان بفوزه في سوريا لا بد أنها تزيد من قلق قسد حيال التوجهات الأميركية المقبلة، ولذا تسعى لاستغلال الفترة الراهنة من أجل تعزيز أوراقها بهدف تحصيل مزيد من المكتسبات خلال المباحثات حول آليات اندماجها ضمن الدولة السورية، أو المراهنة على تبدل الظروف الحالية.