جرى خلال الساعات الماضية تحرك في قصر العدل من نقابة المحامين في اتجاه وزير العدل في حكومة تصريف الاعمال هنري خوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، محوره إنهاء الإعتكاف القضائي شبه الكامل المستمر منذ أكثر من ثلاثة اشهر، والذي طال بسبب المطالب المحقة للقضاة إجتماعيا، وانعكاساته من ناحية أخرى على سير العمل في قصور العدل وتأخر البت بالملفات والضرر الذي يلحقه بالمحامين المتوقف قسم كبير منهم قسراً عن مزاولة مهنتهم في الزمن الإقتصادي الخانق واضطرار البعض منهم الى إقفال مكاتبهم أو السفر.
أما الداعي الى هذا التحرك الذي علا سقف الكلام خلاله فهو "ان الاسباب التي استدعت هذا الإعتكاف بلغت خواتيمها"، بحسب ما ذكره نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار لـ "النهار" قائلا: "إن هذه القضية كيفما نُظر إليها أصبحت في نهاياتها".
وأبلغ النقيب كسبار وأعضاء مجلس النقابة الوزير خوري والقاضي عبود خلال اللقاءين "ان الإعتكاف القضائي بلغ حدا من الإشمئزاز العارم لدى المحامين الذين باتوا غير قادرين على تحمّله مهنيا واجتماعيا. وانا كنقيب للمحامين والمحامون لم نعد نقبل باستمراره واستمرار تعطيل العمل القضائي لأن المحامين يموتون من الجوع. لقد طال صمتنا. لم نتكلم سابقا لئلا يفسر كلامنا على انه إعلاء الصوت تعارضاً مع مطالب القضاة". وأضاف: "لقد أقرت الدولة زيادة رواتب القضاة ثلاثة أضعاف، وسيمنح صندوق تعاضد القضاة سلفة مقدارها 20 مليار شهريا تسدد على مدى خمسة أشهر، والنقابة لم تتأخر في تأمين مستلزمات منها المازوت لعدلية بيروت وسنقوم بالخطوة ذاتها في اتجاه قصور العدل في المناطق. وأخذنا على عاتقنا مسألة التنظيفات في وقت تؤمن النقابة صيانة المصاعد سنويا فيها. وتبقى مسألة انقطاع التيار على عاتق الدولة، اسوة بمقار سائر مباني السلطات. وما ذكرته ليس للتمنين لأن من واجبنا الوقوف الى جانب بعضنا البعض في هذه الظروف الصعبة كجناحَي العدالة".
في المبدأ لا يحبذ نقيب المحامين توقف القضاة عن أداء واجبهم أيا تكن الظروف. ويعتبر ان الإعتكاف من شأنه ان "يخرب بيوت الناس وليس المحامين فحسب. رجال الأمن إستمروا بالقيام بواجبهم في احلك ظروف الحرب وكذلك القضاء، وثابر المواطنون على التعامل مع بعضهم بأخلاقيات العائلات. ولكن عندما يضرب القضاة اليوم ينعكس ذلك شللا في البلاد على نحو يفوق التصور سواء بوقف كل المعاملات او الملفات القضائية من موقوفين ومحكومين وقضايا عقارية وحصر إرث. كل السلطة في يد القضاء، وبقراره يستدعي أعلى مسؤول في السلطة. هو الحاكم. يملك استدعاء مطلق مواطن ايا يكن، وفي حال تمنّع الأخير يصدر مذكرة بإحضاره وتوقيفه، حتى القرارات الغيابية بامكانها ان تشل تحرك أي مدعى عليه. لا يحق للقضاة ان يتوقفوا عن القيام بواجبهم ومبدأ الإعتكاف بدعة لا يمكن أن اقبله أبدا. ما يحصل هو استنكاف عن إحقاق الحق. صمتنا كثيرا ولن نصمت بعد اليوم". ونبه الى ان "الإعتكاف سيُفك الأسبوع المقبل وإلا سنلجأ الى طلب إقالة القاضي الذي يرفض استئناف عمله". وفي رأيه، ردا على سؤال، "ان النفقات الشهرية تؤزّم كل مواطن وليس القاضي فحسب. فماذا لو توافرت نفقات البنزين للتنقل هل ستتوافر سائر المستحقات؟ انا ضد مبدأ الإعتكاف. ولا يحق للقاضي ان يعتكف أيا تكن الظروف. هو آخر من يجب ان يلجأ الى هذا القرار. لو اعتكف رجل الأمن "بيبقى ماشي الحال"، ولم يفعل. فهل يعقل ان يقبض رجال الأمن على مخالفين ويتركوهم لأن القاضي معتكف؟ يقتضي وقف الإعتكاف فورا وإلا".
وإلا ماذا؟ "أمامنا غير خيار، ومن الخيارات التوجه الى الأمم المتحدة والدول وطلب إقالة القاضي المتمنع وتعيين بديل منه. وليس الجواب عن هذا الطلب ان العدالة تتوقف لأنها واقفة أصلا بسبب الإعتكاف". ويذهب نقيب المحامين الى أبعد من سبب الوضع المالي للإعتكاف حيث "هناك قضاة يعانون فعلا من الضائقة، ولكن لديّ وجهة نظر مختلفة في السياق وهي ان قسما من هذا الإعتكاف هو لوقف المضي في ملفات عالقة، مثل ملف انفجار المرفأ وملفات أموال المودعين في المصارف".
وكشف النقيب كسبار ان قسما من القضاة في مجالَي الجزاء والعجلة فكّوا الإعتكاف في بيروت وجبل لبنان وبعلبك وزحلة، مشيرا الى ان مجلس القضاء سيعقد إجتماعا بعد غد الإثنين بدعوة من رئيس المجلس وسيصدر بعد ارفضاضه بيانا يدعو فيه القضاة الى فك الإعتكاف نهائيا ليبنى على الشيء المقتضى. لقد طفح الكيل من جانبنا. ولن أرد على أحد بعد اليوم مهما كثرت التعليقات على الواتساب او سوى ذلك".