برعاية رئيس مجلس الوزراء، نواف سلام، وبدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس، احتضن السراي الحكومي، في زمن القيامة والفصح المجيد، رائعة موتزارت الخالدة (ريكويم – Requiem) التي أحيتها، بوقار، الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية، بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي، ومشاركة كورال جامعة سيدة اللويزة بإدارة الأب خليل رحمة، وأداء السوبرانو ماري جوزيه مطر، الميزو سوبرانو ميلاني أشقر، التينور بشارة مفرّج، والباريتون برونو خوري.
ومثّل الحدث رمزية مميزة، ولا سيّما أنه الاحتفال الموسيقي الأول الذي يُقام في القصر الحكومي في العهد الجديد، وبعيد ترميم أُحدِث على تقنيات الصوت في القاعة المخصصة للاحتفال.
وافتتاحًا للتحديث، صدح صوت السوبرانو هبة القواس في أرجاء القصر الحكومي قبيل الحفلة بناءً على طلب من الرئيس سلام، لتستقبل أغنياتها الحضور الكبير الذي لبى الدعوة، وفي مقدمته: عقيلة رئيس الحكومة السيدة سحر بعاصيري سلام، الرئيس فؤاد السنيورة وعقيلته، الرئيس سعد الحريري ممثلاً بأحمد الحريري، نائب رئيس الحكومة طارق متري، ووزراء السياحة لوري الخازن لحود، الاقتصاد والتجارة عامر البساط، الثقافة غسان سلامة، الدفاع اللواء ميشال منسى، الشؤون الاجتماعية حنين السيد، العمل الدكتور محمد حيدر، الصناعة جو عيسى الخوري، الاتصالات شارل الحاج، الداخلية والبلديات أحمد الحجار، الشباب والرياضة نوره بايراقداريان، التنمية الإدارية فادي مكي، الإعلام بول مرقص، السيدة منى الهراوي، والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، السفير البابوي المونسنيور باولو بورجيا، وعدد من النواب والسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي وشخصيات ثقافية واجتماعية وإعلامية وفنية.
وبعد النشيد الوطني الذي أدّته الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية، تحدثت رئيسة الكونسرفتوار هبة القواس مشبّهةً احتضان السراي الكبير للحدث بإعلان "عن بداية جديدة للبنان الذي يتجاوز السياسي نحو الإنساني، ويجعل من الثقافة رافعة للبناء والتقدم."
وأضافت: "من قلب السراي الكبير، من هذا المعلم التاريخي والسياسي والوطني، نطلّ على لحظة تُشبه القيامة في تاريخ لبنان... لحظة ولادة جديدة. من هنا، حيث تُصنَع القرارات وتُرسم ملامح الدولة، نلتقي اليوم لا في حدث سياسي أو احتفال بروتوكولي، بل في لقاء ثقافي – روحي – إنساني، يَعبُر بالوطن من مفهوم الدولة إلى معنى الرسالة.
نفتتح هذا الحفل اليوم، في أسبوع آلام المسيح، بموسيقى "الريكويم" لموزارت، من مقرّ رئاسة الحكومة، في دعوة نادرة، مميزة تُعلن عن "لبنان الرسالة"، لبنان الذي يتسع ويحتضن مختلف الطوائف والمذاهب ويعالج الانقسامات، ليُعلن بصوت الموسيقى أننا موحَّدون في الجمال، في الإبداع، في الإيمان بقوة الإنسان. تصدح موسيقى الريكويم لموزارت اليوم، لا كمَرثاة للحزن، بل كنشيد للقيامة، لنُعلن عن لبنان جديد، يُبعث للعالم بصوته الحقيقي وتوقيعه الحضاري الأزلي. لبنان اليوم يقف على عتبة التحوّل.
بعد سنوات من الفراغ، ها نحن أمام حكومة جديدة، أمام بداية مرحلة استثنائية يقودها رئيس للجمهورية آمن به شعبه ووثق به العالم، وأعاد الاعتبار لهيبة الدولة. هو رئيس المرحلة المفصلية، والضامن لحوار وطني عابر للضجيج؛ ودولة رئيس مجلس وزراء يشكّل بحدّ ذاته قيمة وطنية وفكرية عالية: الدكتور نواف سلام، رجل الفكر والقانون، الذي ارتفعت به الثقة الدولية قبل أن تضطلع به الإرادة المحلية، يقود اليوم لحظة مفصلية في عمر لبنان."
وتابعت بالإنكليزية:
"Your Excellencies, Distinguished Ambassadors,
Tonight, as the first notes of Mozart’s Requiem rise from this stage, they do so not only as a musical masterpiece but as a profound testament to resilience, rebirth, and renewal.
This performance is not only a cultural celebration, but a symbolic affirmation that Lebanon is reemerging—with dignity, clarity, and creative force—into the international fold. Your presence honors our transition."
وأضافت القواس: "دولة الرئيس، حضوركم اليوم ليس سياسياً فقط، بل رمزياً أيضاً. لقد رآكم اللبنانيون والعالم على مدى سنوات، رجلَ الموقف، ورجلَ الفكرة، ورجلَ المبادرة. واليوم، يرَوْن فيكم، ومعكم، مستقبل دولة تحكمها القيم وتُبنى على المعرفة، على القانون، وعلى الجمال أيضاً. من هنا، من هذا المقام، وفي حضور معالي وزير الثقافة، نعلن التزامنا ببناء منظومة موسيقية متكاملة في لبنان، لا تكتفي بالإنتاج الثقافي، بل تضع الموسيقى في قلب الاقتصاد الوطني. ومع معالي وزير الثقافة، صاحب الرؤية العميقة والعقل البنّاء، نعمل على تطوير منظومة متكاملة لصناعة الموسيقى في لبنان، لا كفعاليات موسمية بل كقطاع وطني قابل للتصدير والاستثمار، يرتكز على التقاليد ويستشرف المستقبل، من الذكاء الاصطناعي إلى التعليم الموسيقي، وصولاً إلى التبادل الثقافي والدبلوماسية الموسيقية.
وفي هذا المسار، الموسيقى ليست فقط أداة جمالية، بل ركيزة من ركائز ما يمكن أن يُسمى "دبلوماسية لبنان الثقافية" – لغة تفتح أبوابًا حيث تُغلِق السياسة، وتبني جسورًا بين الشعوب حيث تفشل الاتفاقات.
اسمحوا لي أن أحيّي الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية، هذا الصرح الوطني الذي أعدنا بعثه العام الماضي بعد توقف دام أكثر من أربع سنوات. لقد عادوا، لأنهم يؤمنون أن الموسيقى هي الحياة. أشكر كل موسيقي وموسيقية على عطائهم، وعلى حضورهم الثابت رغم كل الصعوبات. وإلى قائدهم في هذه الليلة المايسترو لبنان بعلبكي، أقول: اسمُك اسمُه، كما سمّاه الأزل، فتذكّر أنك كلما تلوّح بالعصا، ترسم بموسيقاك معالم وطن جديد...
ونُحيّي أيضًا جوقة جامعة سيدة اللويزة بقيادة الأب خليل رحمة، والصوليست الرائعين: ماري جوزيه مطر – سوبرانو، ميلاني أشقر – ميزو سوبرانو، بشارة مفرّج – تينور، وبرونو خوري – باريتون. أنتم رُسُلُ جمال في زمن التحوّل.
والشكر الكبير لدولة الرئيس ولحَرَمه الكريمة، على فتح أبواب هذا المعلم التاريخي ليكون بيتًا للفن والثقافة. الشكر للأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية وطاقم السراي الكبير، لفريق عملنا التقني والإداري، للرعاة والداعمين، ولشاشات الوطن الذين يرافقوننا بشكل دائم LBCI وتلفزيون لبنان على النقل المباشر. والشكر الأسمى لكم أنتم – الوزراء، النواب، السفراء، الشخصيات الرسمية، الفكرية، الثقافية – على حضوركم ودعمكم.
من السراي الكبير، حيث قرارات الدولة، تصدح اليوم نغمات الحياة. من الريكويم إلى الرجاء. من الألم إلى الأمل. من الصمت إلى السمفونيا. أهلاً بكم في "رائعة موزارت الخالدة". أهلاً بكم في لبنان الجديد.
وأخيرًا، أيها الحضور الكريم، نقف الآن في حضرته، هو صوت العقل حين يغيب المنطق، هو توازن في زمن الانفعال، وهو نهج يريد للبنان أن يستعيد مكانته، لا بالصوت العالي بل بالرؤية العميقة. أدعوكم الآن للاستماع إلى كلمته امتدادًا لهذا المشهد الراقي الذي بدأناه بموزارت، ونُكملُه برؤية دولة الرئيس."
ثم كانت كلمة للرئيس سلام رحّب فيها بالأوركسترا والكونسرفتوار ورئيسته، وبالكورال والمشاركين والحضور، وأعلن عن حفلة مقبلة في السراي بالتعاون مع الكونسرفتوار.
وقد اختلفت هذه الأمسية عن سابقاتها، بما تضمنته من نبض استثنائي أرسته هيبة المعلم الرئاسي التاريخي، فحلّق بها إلى شواهق المتعة الخالصة. توليفة مسكونة بالجمال والإبداع والإبهار،