تحتفي وزارة التربية والمركز التربوي اليوم بالإطار العام لمشروع تطوير المناهج، وسط موجة انتقادات واسعة في أوساط التربويين تتعلق بجهوزية المدرسة الرسمية، وشفافية التمويل والتحاصص في الهيئة العليا، بحسب "الاخبار".
تستبق وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء نهاية العام 2022، باحتفالية تقام، اليوم، في السرايا الحكومية، بإنجاز الإطار الوطني للمناهج التربوية المقرّر تعديلها، بعد 25 عاماً على وضعها في عام 1997. ليست المرة الأولى التي يُحتفى بها بإطلاق ورشة تطوير مناهج التعليم العام في لبنان بأموال البنك الدولي، فقد سبق للوزارة أيام الوزير السابق أكرم شهيّب، والمركز برئاسة رئيسته السابقة ندى عويجان، أن أعلنا، في كانون الثاني 2020، وسط حضور رسمي واسع ومشاركة ممثلين عن منظمات دولية مانحة، بدء العمل على مناهج تفاعلية من دون أن تبصر هذه المحاولة النور. وقد أتى ذلك بعدما شهد المركز، بوصفه المؤسسة المعنية بالمناهج منذ عام 2016 ورش عمل مكثفة في هذا المجال. وتكرّرت بعدها كلمة إطلاق لورشة التطوير في كل مرة يتسلّم فيها وزير جديد لمهامه، من دون أن توضع الأمور على السكة الصحيحة، فهل ستكون هذه الوثيقة الجديدة، بنسختها الخامسة، مقدمة جدية لانطلاق عجلة التطوير أم ستلقى مصير المبادرات السابقة؟
«الطائف التربوي»!
إنتاج الإطار ترافق، بالحد الأدنى، مع موجة انتقادات واسعة لمضمونه في أوساط التربويين، وشكوى من «التعتيم» عليه وعدم إشراك أهل المركز التربوي في إعداده، إذ اطلعوا على النسخة النهائية، بطريق الصدفة ومن دون أي نقاش معهم بتفاصيله، وهم مدعوون جميعاً إلى «احتفال السرايا» لمباركته. إلا أن مصادر من داخل المركز استغربت ذلك، باعتبار أن الهيئة الأكاديمية كانت ممثلة في هيئة التخطيط التي عملت على النسخ الأربع للإطار، كما كانت في موقع تنسيق لجنة الصياغة لدى تعديل النسخة الأخيرة، وقد زوّدت الهيئة الأكاديمية اللجان المختلفة في المركز بتقاريرها وملاحظاتها حول النسخ كافة.
إلى ذلك، تزاحمت أسئلة كثيرة، عشية الاحتفال، ومنها: هل نطوّر المناهج لصرف قرض البنك الدولي، أم بناءً على الحاجة الفعلية لذلك؟ هل نحن جاهزون فعلاً لمثل هذه الخطوة التي تحتاج إلى كوادر تربوية متوافق عليها لإنجاز المشروع التربوي الوطني وليس التحاصصي الذي تجلّى في اختيار أعضاء اللجنة العليا للمناهج التي تضمّ ممثلين عن كلّ الأحزاب والمجموعات السياسية والطائفية؟ ما نحن بصدده هو مناهج لأيّ مدرسة؟ هل لمدرسة رسمية «مدمّرة» خسرت 25% من تلامذتها الذين نزحوا إلى المدارس الخاصة، ونسبة مماثلة من أساتذتها الذين اتخذوا خيار الهجرة، فيما يعيش الباقون ظروفاً قاسية تمنعهم من الوصول إلى المقاعد الدراسية؟ هل هذا الجو مناسب لإنتاج نوعية تعليم جيدة، أم أننا نريد أن نفتح المدارس الرسمية بأيّ ثمن، وكيفما اتفق؟
تبرّر مصادر المركز التحاصص بأن المناهج شأن وطني، ويجب الحرص على تمثيل جميع المكونات في الهيئة العليا للمناهج، و«هو ما أطلق عليه وزير التربية الطائف التربوي».
أبواب التمويل
الأموال التي صرفت على «الإطار» كانت مثار جدل، خلال الفترة الماضية، ولا سيما أنها ضمن قرض وهبة، أي ديون على اللبنانيين الذين يفترض أنهم سيكترثون لقيمة المبالغ المالية المرصودة لمشروع تطوير المناهج، وكم تبلغ قيمة المبلغ الذي صرف حتى الآن وما هي أبواب الصرف؟ ليس معروفاً بالضبط ما هو المبلغ الإجمالي الذي حُرّر للمشروع، ولدى سؤالنا رئيسة المركز التربوي، هيام إسحق، عما أنفق حتى الآن، اكتفت بالقول إن «مالية المشروع مرتبطة بآليات صرف واضحة خاضعة لرقابة الجهات المانحة والوزارة، وبناءً على آليات عمل المركز، وهي ترسل إلى وزارة التربية، وتصرف الأموال بناءً على الحاجات والمشاريع الموافق عليها».
في الواقع، لا أحد يعلم ما يصرف تحت الطاولة، لكن ما هو معلن هو أن كل عضو من أعضاء هيئة التخطيط الـ 9 يتقاضى 75 دولارأً أميركياً «فريش» عن كل جلسة تُعقد، على أن يجري الأعضاء 10 جلسات في الشهر كحد أقصى. والأمر نفسه بالنسبة إلى منسقية المناهج التي تضم نحو 13 شخصاً، من ضمنهم 3 موظفين من المركز التربوي و3 موظفين من وزارة التربية. اللافت هنا ما يقوله القيّمون على المشروع إن هذه المبالغ هي أدنى ما يتقاضاه الخبراء من أيّ منظمة تعمل مع المؤسسات الدولية.
ويجري العمل على تـأليف 10 لجان أكاديمية جديدة سوف تحدّد، بحسب إسحق، «المعايير والشروط الواجب توفرها لمن يتقدّم للعمل في مشروع تطوير المناهج وتشكيلها وأتعاب أعضائها من خلال صفحة ستفتح قريباً على الموقع الإلكتروني للمركز، الذي سيفتح أبوابه للجميع، ومن يريد أن يعمل معنا ولديه الكفاءة ويستوفي المعايير فمرحّب به». وعما إذا كان المموّل يفرض مواعيد محددة لإنجاز العمل، تجيب إسحق: «نحن نحدّد معايير العمل للمتخصصين، ولا يوجد فرض لأي مواعيد، إنما الهبات كانت منذ سنوات عدّة، والتأخير الذي حدث يجبرنا على أن نعمل بوتيرة سريعة، ومن الطبيعي أن يستوجب عمل وطني كهذا تشكيل لجان ذات اختصاصات وكفاءات متنوعة، ونحن حريصون على جودة الإنتاج ونوعيته، وهذا الأمر أولوية بالنسبة إلينا».
لكن، هل نحن جاهزون لهذه الخطوة؟ تبدو إسحق مقتنعة بأننا «نحتاج أكثر من أيّ وقت مضى إلى تطوير المناهج، إذ لا يمكن الإبقاء على مناهج قديمة قلّصت مرات عدة بسبب الظروف، وأصبح هناك فقد تعليمي لا يستهان به. نحن بحاجة ماسّة إلى التطوير، والفرصة اليوم سانحة. وليس أفضل من المركز التربوي ليقوم بهذا العمل. ولا نعرف إذا أوقفنا هذا العمل، في أيّ سنة سنعود ونطوّر مناهجنا».
ماذا يتضمن الإطار الوطني للمناهج؟ وما هي أبرز الملاحظات عليه؟ وما هي الانتظارات في المراحل المقبلة؟
الإطار، كما تقول إسحق، مرجع أساسي لإعداد مناهج التعليم العام ما قبل الجامعي، يحدّد الرؤية وأيّ متعلم ومعلم نريد، كما حدّد اعتماد المقاربة بالكفايات التي تهدف إلى بناء الكفايات المستعرضة والخاصة العائدة إلى الميادين المعرفية والمعارف الأساسية في القرن الواحد والعشرين.
وعن الوقت الذي استغرقه إعداد الإطار بمسوّداته الخمس، تشير إسحق إلى أن العمل بدأ منذ كانون الثاني 2022، لكنه تأخر لأسباب عدة، إذ وُجهت انتقادات ووُضعت ملاحظات كانت تؤخذ كلها في الاعتبار، معربة عن اعتقادها بأن مشروعاً بهذا الحجم والأهمية سيأخذ وقتاً في إنتاجه في بلد لم يغيّر مناهجه منذ 25 عاماً، ومن الطبيعي أن يواجه هذا التغيير ويقاوم.
في الواقع، ترك الإطار ردود فعل متفاوتة، فالتربويون المعترضون لم يجدوا في الإطار ما يجيب عن الأسئلة الأساسية التي يفترض أن تتضمنها المناهج، أي ما هي المواد التي ستُدرّس وكيف ستُدرّس؟ ما هي ميادين المعرفة الواردة في الإطار؟ هل ستكون موادّ مستقلة وماذا عن الكفايات المستعرضة وكيف ستُترجم في المناهج؟ هل سيبقى عدد المواد كبيراً (16 مادة في الصف الثانوي الأول مثلاً)؟ وكيف سيكون التقييم وطبيعة الامتحانات؟ هل المقصود أن يكون الإطار فضفاضاً فيفتح المجال للمدارس الخاصة أن تفعل ما تريد؟ ولماذا جرى إغفال الجانب القانوني لدى الحديث عن صورة المرأة الاجتماعية، فلم تُذكر المساواة وعدم التمييز في القوانين بوضوح؟ ماذا عن كفاية التنمية الروحية؟ هل نحن بحاجة إلى إعادة إضفاء شرعية على الاصطفافات، بعدما كنا قد ألغينا مادة الدين من مناهج عام 1997؟
الإجابة على هذه الأسئلة يفترض أن توضحها، بحسب مصادر المركز، الأوراق العشر الأكاديمية التي ستعدّها اللجان الجديدة، إذ لا إمكانية لتفصيلها كلها في الإطار العام الذي له وظيفة المظلة للمناهج.
في المقابل، يعتبر تربويون آخرون أن ما أُنجز هو أفضل الممكن في ظلّ الظروف المعقّدة سياسياً واقتصادياً، إذ جرى تحديد الكفايات المستعرضة بمعزل عن المواد، مثل التواصل والتعاون والتثقيف الصحي والإعلامي والرقمي. وبالمسوّغات، حدّد الإطار، بحسب هؤلاء، الأسرة كمرتكز أساسي لأدوار الرجل والمرأة والتكامل بينها والمساواة العادلة والإنصاف التي ذكرت في أكثر من مكان في الإطار.
ويتوقف هذا البعض عند مسوّغ وطني أساسي، إذ جرى التركيز، في فقرة كاملة وبما لا يحتمل الجدل، على مرجعية الدولة لتأمين المواطنة، بدلاً من البوابات الطائفية والزبائنية. بالنسبة إليهم، التعليم الديني في كنف الدولة وعلى أرضية مشتركة أفضل من تركه لمزاج المؤسسات التربوية الخاصة، إذ لا أحد يمكن أن ينكر بأن التعليم الديني أمر واقع حالياً.