هل تختفي الأدغال السياسية

نتنياهو يقول إنه يقاتل على سبع جبهات، وإن المخاطر تأتي من أقطاب الأرض غير أنه قادر على تحمل عبء القيادة والمواجهة، في خطاب يائسٍ يتكرر منذ أكثر من سنة، يستعرض معادلة الرعب والجرأة، وثنائية البقاء والعدم بغية جعل الأيام القادمة حبلى أكثر باليمين المتطرف، وهو خطاب يكون مفيداً في الأدغال السياسية، حيث الرعب والمتاهات السياسية عالم متوفر لكنه لا يجدي في العالم المرئي، الذي يستطيع أن يجسد في كل حركة أو رمشة جفن رسماً لغوياً كاملاً دالاً على صورة المشهد.

فإسرائيل لم تعاني من أزمة وجودية ولا حتى في الأمس البعيد، فمسألة خطاب اليمين، إنما يعكس اختلال بصيرة اليمين المتطرف، والذي عبثاً يرسم مستقبلاً لن يتجاوز المخيلة، في لعبة تشابك المصالح، والسير في الأدغال السياسية، نحو حقبة فوضوية مجهولة الأفق.

في المعادلة الإخوانية هناك تشاركية في الفكر المائل نحو الزاوية المنحرفة، وتخادم مصلحي أفضى إلى صناعة إشكالية وجودية تعيد طرح مشهد البقاء والعدم، فقد استطاع الإخوان إنقاذ الإسلام من أن ينتهي كدين (كما يقولون وإنهم الأفضل على وجه الأرض) واستطاعت حماس أن تنقذ فلسطين والقدس من الزوال رغم أن جدران غزة اندثرت، واحتضنت تربتها البقايا البشرية بما لم يحدث في غزة منذ أن دخلت سجلات التاريخ، وبالتالي يذهب الجيش الإسرائيلي لكي يحارب أسطورة حماس التي تشكل واحدة من عوامل زوال إسرائيل وفق تخادم الحركة مع اليمين المتطرف، ثم يصل الخطاب أقصاه، فحماس مقتنعة أنها في ذروة الانتصار على إسرائيل، واليمين الإسرائيلي يريد إقناع عموم الشارع الإسرائيلي أن مقولات حماس حقيقية، وأن مصير الزوال من البقاء يتطلب إعادة إنتاج المشهد الإسرائيلي على قاعدة اليمين المتطرف باعتباره هو الضمانة.

ولكن هذا الخطاب أيضاً يخدم حركة حماس، لأن المشهد الإسرائيلي يصبح بالكامل غير قابل للاختراق السياسي، وبالتالي تستمر حرب حماس حتى تدمير آخر جدار بيت فلسطيني في غزة، وتستمر حرب نتنياهو نحو ذات المعادلة، وفي النهاية يصبح مطلب احتلال غزة وضم الضفة معادلة مشتركة، تثبت فيها حماس نظريتها الداعية إلى اسقاط السلطة الفلسطينية والعودة إلى مقاومة الاحتلال من نقطة الصفر، ويثبت فيها اليمين المتطرف في إسرائيل أن منح الفلسطينيين دولة أمر غير ممكن، لأن السلطة الفلسطينية في حالة عجز، وأن الإسلاموية هي المتوفر الوحيد في الشارع الفلسطيني.

هذه هي الصورة القاتمة في المشهد الفلسطيني اليوم، بينما بالأمس اختار الفلسطينيون المسار السياسي منذ رسالة الراحل ياسر عرفات عام 1974 أمام الأمم المتحدة "فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي" في إدراك واعٍ للمسؤوليات التاريخية لاحتياجات الجيل والذي يليه، وهو ما ينقذ الوجود من أن يكون رقماً في سلم الذكريات، في ظل الحروب التي لم تعد تمسح الأفراد من سجلات الوجود، بقدر ما تلغي الشعوب من الذاكرة والأرض والحضور القادم. بمقابل اختيار لعبة الديموغرافيا، وأنت فيها تستطيع أن تكون سيداً حاضراً محافظاً على جنسك وجلدك وحتى ذرات الغبار التي تحيط بمنزلك، والزمن كفيل بالاصطفاف الى جوارك.

بالتالي أوجد المسار السياسي الفلسطيني كيانية وأرضية مهمة، استعاد الفلسطينيون بموجبها الضفة وغزة، بينما ما قامت به أيديولوجيا الإخوان انها استثمرت البيئة المحررة، فانقلبت في غزة، وحكمت غزة ثم ضاعت غزة. وتسللت أيديولوجيا الاخوان إلى مخيمات الضفة فاستعادت إسرائيل السيطرة عليها قبل أشهر وهجرت أهلها، ودمرت ما دمرت منها.

فما جاءت به أيديولوجيا الاخوان أنها أعادت الاحتلال ولكن الى أرض محروقة، مليئة بالكوارث البشرية والإنسانية، وفي النهاية يقف الطرفان على نقيض حسب ما يبدو، لكنهما شركاء جمعتهما وحدة الهدف، في منع قيام الدولة الفلسطينية، لأن هذه الدولة بحسب عقيدة الإخوان منافية لرؤيتهم الدينية، تماماً كما يعتبر اليمين المتطرف أن الدولة الفلسطينية تعني زوال إسرائيل، وكل ذلك تم على حساب دماء أهالي غزة.

هي لعبة المصالح التي يديرها الطرفان وتسعى نحو عالم من الأدغال السياسية، حتى تختفي أدوات المناورة السياسية، أمام قانون الغاب المتخيل، وبالتالي وفق ذات المعادلة فإذا اختفى الاخوان عن المشهد فلن ينقص من الإسلام شيئاً، وإذا اختفت حماس فماذا ستخسر فلسطين، وإذا غاب عن المشهد ثالثهم نتنياهو وأشباه نتنياهو، فقد أوشكت الأدغال السياسية أن تغيب.

العربية

يقرأون الآن