غموضها الساحر وتقاليدها الأصلية والأساطير التي نسجت حولها جعلت قبيلة الدوغون مثار اهتمام الباحثين ومركز جذب سياحي رئيسي في مالي بل وفي غرب أفريقيا عامةً، فلا أحد يزور هذه المنطقة إلا ويسأل عن قبيلة الدوغون وحكايات شعبها وأسرار شخصياتهم والأحداث التي عاشوها والتي لا يزال يحيط بها الكثير من الغموض وتكتنفها الأساطير.
ولعل العزلة التي اختارتها قبيلة الدوغون وتفضيل شعبها لأدغال الغابات وكهوف الأودية على القرى والتجمعات، أحاطهم بالكثير من الغموض وأثار تساؤلات حول أسرارهم وحقيقة خبرتهم في "رصد النجوم وقراءة الطالع"، حسب الكثير من الدراسات التي اهتمت بتاريخ قبيلة الدوغان ومن بينها دراسة لعالم الإنتروبولوجيا مارسيل غريول وأخرى للكاتب الأميركي روبرت تمبل.
أفراد من قبيلة الدوغون يؤدون رقصة تقليدية مرتدين أقنعة تقليدية أفراد من قبيلة الدوغون يؤدون رقصة تقليدية مرتدين أقنعة تقليدية
رغم الاضطرابات الأمنية بالمنطقة التي استوطنتها قبيلة الدوغان وصعوبة تضاريسها وبعدها عن المدن الرئيسية، إلا أنها ما زالت أحد معالم الجذب السياحي الرئيسية في مالي.
عن هذا يقول يايا نداو، الباحث في علم الاجتماع، إن "قبيلة الدوغون أصبحت واحدة من الوجهات السياحية الرئيسية في مالي حتى إبان الأزمة الأمنية التي بدأت عام 2012، والسبب يعود بالأساس إلى خصوصية شعب الدوغون وطريقة حياتهم وطقوسهم القديمة، فقبيلة الدوغون تشتهر بتقاليدها الدينية، والمعرفة الكبيرة بحركة الكواكب والنجوم، والإبداع في رقصات الأقنعة والنحت الخشبي، والهندسة المعمارية الجميلة والمتناغمة مع المناظر الطبيعية الخلابة".
ويضيف في حديثه لـ"العربية.نت": "ما يميز قبيلة الدوغون هي كنوز الحكايات الشعبية والأساطير والمرويات في بيئة لم يستوطنها الكثير من البشر ما جعل ثقافة هذه القبيلة وحضارتها كنزاً معرفياً يتجاوز البعد التاريخي والثقافي إلى البعد الإنساني، فمن خلالها يستطيع السائح أن يتعرف على كل ما يميز شعوب وثقافات وحضارات غرب أفريقيا بصفة عامة".
ويقول: "رغم شح المصادر والمراجع حول تاريخ هذه القبيلة والمراحل والأحداث المؤثرة فيها.. فإن ما يُروى عنها في بعض المذكرات الأدبية والسياسية والتاريخية خاصةً كتاب (أفريقيا، ذكريات القارة) يؤكد أن تاريخ قرى الدوغون مميز للغاية شأنه شأن شخصيتهم الغريبة والمميزة".
ويشير الباحث إلى أن القدرات والمعلومات المنسوبة إلى الدوغون كانت قد أثارت ضجة بعد الدراسات التي أكدت أن هذا الشعب جد متمكن في علم الفلك وله رؤية بصرية غير محدودة. وبعيداً عن كل ما يثار حول شعب الدوغون، يرى الباحث أن أكثر ما يميزه هو الطقوس والتقاليد التي يحافظ عليه وتتوارثها الأجيال خاصة تقاليد الرقص بالأقنعة والسيقان الطويلة، والذي يمارسونه أثناء احتفالهم بالمطر أو الحصاد أو الانتصار والفرح.
على مدى قرون أبدع شعب الدوغون في صنع منحوتات خشبية وأقنعة ومنسوجات، يزين بعضها اليوم المتاحف في فرنسا وبلجيكا. وفي عام 1989، أدرجت منظمة "اليونسكو" تقاليد ومنحوتات الدوغون كجزء من التراث العالمي احتفاءً بهذا الشعب ذي التقاليد اللافتة والغريبة.
وتعيش قبيلة الدوغون في منطقة الهضبة الوسطى بمالي والممتدة حتى جنوب نهر النيجر بالقرب من مدينة باندياجارا، ويقدر عدد أفرادها بنحو 400 ألف نسمة يتحدثون لغة الدوجون، وهي لغة مستقلة عن اللغات السائدة في النيجر والكونغو، مما يعني أنهم لا يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بأي لغات أخرى.
تدين غالبيتهم بالدين الإسلامي ويقوم مجتمعهم على تنظيم هرمي دقيق، يحتل فيه زعيم القبيلة رتبة "الإمام الولي". ومنذ القرن العشرين، تأثرت قبيلة الدوغان بالتغييرات التي طرأت على منطقة غرب أفريقيا، فتأثر نظامها الاجتماعي وثقافتها ومعتقداتها، لكنها تظل أكثر الشعوب الأفريقية تمسكاً بتقاليدها، فلا يزال شعب الدوغان يفضل البيوت الطينية ذات الأسقف المدببة المصنوعة من القش والمبنية على الهضاب المرتفعة، ولا يزال الاحتفال بالمطر والحصاد يتم بشكل جماعي وبرقصات السيقان الطويلة والأقنعة كما كان منذ القدم.