دولي آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

ضم كندا.. حلم أميركي أيقظه ترامب

ضم كندا.. حلم أميركي أيقظه ترامب

تتعالى داخل الولايات المتحدة، بين فينة وأخرى أصوات تدعو لضم كندا إلى اتحادها الفيدرالي لتصبح "الولاية الحادية والخمسين"، ومن أبرزها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورغم اللغط الذي تسببت به تلك الدعوات التي ما فتئ ترامب يكررها، فإن وقائع التاريخ والجغرافيا تؤكد أن العلاقة بين البلدين، قامت منذ البداية على مبدأ الاستقلال والسيادة الوطنية لا التبعية أو احتمالية الذوبان.

كندا، التي تشكلت عبر قرون من الاستعمار الفرنسي ثم البريطاني، سلكت مساراً مستقلاً عن الولايات المتحدة التي خاضت ثورتها ضد التاج البريطاني عام 1776، وفي حين اختارت المستعمرات الأميركية طريق الثورة، ظلت كندا وفية لبريطانيا، ما أسس لفارق جوهري بين المسارين الوطنيين.

تعود البدايات الاستعمارية لكندا إلى عام 1534، مع وصول المستكشف الفرنسي جاك كارتييه، ثم تأسيس مدينة كيبك عام 1608 على يد صمويل دي شامبلان بحسب (الموسوعة البريطانية)، وبعد حروب دامية بين فرنسا وبريطانيا، انتقلت كندا للسيطرة البريطانية عام 1763 بمعاهدة باريس، لتشهد لاحقاً موجة لجوء لآلاف من الموالين البريطانيين الفارين من الثورة الأميركية.

وعلى الرغم من قيام اتحاد "دومينيون كندا" عام 1867 بموجب قانون أمريكا الشمالية البريطانية، إلا أن الاستقلال الفعلي جاء تدريجياً، مع صدور قانون وستمنستر عام 1931 الذي منح كندا استقلالاً تشريعياً واسعاً، ثم التصديق على الدستور الكندي المستقل عام 1982.

اتسمت علاقة كندا مع الولايات المتحدة منذ البداية بالتوتر والندية، ففي عام 1812، حاولت الولايات المتحدة غزو كندا لدفعها إلى الانضمام إليها، إلا أن الكنديين، تحت لواء البريطانيين، صدوا الهجمات وأكدوا تمايزهم الوطني بحسب (تشاتام هاوس)، وقد تعزز هذا التمايز مع مرور الزمن، رغم التحالفات الكبرى التي جمعت البلدين لاحقاً في الحربين العالميتين والحرب الباردة.

اقتصادياً، ورغم توقيع اتفاقيات التجارة الحرة، وأهمها نافتا عام 1994، التي جعلت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول لكندا، إلا أن أوتاوا حافظت على استقلالية قراراتها الكبرى، سواء في ملفات البيئة أو حقوق الإنسان أو السياسات الخارجية.

اليوم، ورغم التكامل الأمني والاقتصادي العميق، لا تزال كندا تحتفظ بهويتها السياسية والثقافية الخاصة، معززةً بفخرها القومي واستقلال قرارها السيادي، فالدعوات المتجددة لضمها إلى الولايات المتحدة، وإن بدت للبعض "مزحة سياسية" أو حنيناً إمبراطورياً، تصطدم بجدار طويل من التمايز التاريخي والخيارات الوطنية المختلفة.

الحقيقة أن تاريخ كندا مع الولايات المتحدة قائم على شراكة قوية تقاوم بصمت فكرة الذوبان، وتؤكد دائماً على أن التحالف لا يعني إمكانية الضم والاندماج.

لسنا للبيع

لم تمر التصريحات المتجددة حول "ضم كندا" دون ردود من الساسة الكنديين الذين عبروا بوضوح عن رفضهم القاطع لأي حديث من هذا النوع، ولو أتى تحت غطاء المزاح أو التصريحات السياسية الخفيفة.

فقد علّق رئيس الوزراء الكندي السابق جاستن ترودو خلال إحدى المناسبات قائلاً: «كندا مستقلة، وستبقى كذلك، بكل فخر وقوة». فيما شدد مسؤولون كنديون على أن "العلاقة مع الولايات المتحدة مبنية على الاحترام المتبادل للسيادة، وأي حديث عن الضم يتجاهل التاريخ والحقائق الأساسية التي قامت عليها دولتنا الحديثة.

ردود المسؤولين في كندا تعكس إجماعاً داخل المشهد السياسي الكندي، بأنها، ورغم علاقاتها الوثيقة بجارتها الجنوبية، تملك إرادة وطنية راسخة، وهوية سياسية لا تقبل الارتهان لأي طموحات توسعية مهما بدت مغلفة بالدعابة أو السياسة.

يقرأون الآن