تخطط إسرائيل للسيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة وتقييده بشدة، باستخدام شركات أمنية أميركية خاصة، كشرط لرفع الحصار المستمر منذ شهرين على الإمدادات إلى القطاع، كما سيتم استخدام تقنية التعرف على الوجه لتحديد هوية الزائرين لمراكز توزيع الإغاثات، وفق ما نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين إسرائيليين، وعمال إغاثة، وأفراد آخرين مطلعين على الخطة.
وأشارت المصادر أنه من المتوقع الانتهاء من تفاصيل الخطة في اجتماع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي الأحد برئاسة بنيامين نتنياهو، وتحظى الخطة بدعم الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية، ومن المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ قبل نهاية الشهر الجاري.
ـ رفض أممي:
لكن الخطة قوبلت بالرفض القاطع من جانب الأمم المتحدة والعشرات من منظمات الإغاثة الدولية، التي تقول إنها تتعارض مع المبادئ الإنسانية، وغير قابلة للتنفيذ من الناحية اللوجستية، وقد تعرض المدنيين والموظفين الفلسطينيين للخطر.
وذكرت المصادر أن مسؤولين إسرائيليين قدموا المقترح إلى كبار ممثلي الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية في إسرائيل الجمعة، فيما بدا محاولة أخيرة لكسب تأييد المنظمات المُترددة.
ـ تفاصيل المخطط:
وأوضح التقرير أن إسرائيل ستسمح لنحو 60 شاحنة محملة بمساعدات إنسانية من المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية بدخول غزة يوميًا، أي عُشر الكمية التي سمحت بها بموجب وقف إطلاق النار الذي استمر ستة أسابيع وانتهى في أوائل مارس/آذار. وسيقوم الجيش الإسرائيلي بتفتيش الشاحنات عند معبر كرم أبو سالم.
وأشارت إلى أنه بمجرد دخول الشاحنات إلى قطاع غزة، ستتوجه إلى مراكز التوزيع التي حددتها إسرائيل في الجنوب تحت حماية متعاقدين أمنيين أمريكيين، كما سيوفر هؤلا المتعاقدون الأمن داخل هذه المراكز وحولها؛ وسيتولى عمال إغاثة إنسانية غير حكوميين جميع عمليات التوزيع والتواصل المباشر مع الفلسطينيين.
ومن المخطط أن تقتصر العملية في البداية على ستة مراكز توزيع كحد أقصى لخدمة القطاع المكتظ بالسكان، والذي دمره القصف الإسرائيلي خلال أكثر من ثمانية عشر شهرًا من الحرب. وإذا نجح هذا النموذج، فيمكن توسيعه ليشمل شمال ووسط غزة، وفقًا لشخص مطلع على التوجهات الإسرائيلية.
وسيخدم كل مركز ما بين 5000 و6000 أسرة. ووفقًا لأحد عمال الإغاثة الدوليين، فيما سيتم استخدام تقنية التعرف على الوجه لتحديد هوية الزائرين لمراكز التوزيع.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي سابق شارك في التخطيط الأولي قبل أشهر: «لقد قمنا بالتخطيط التشغيلي الكامل لكيفية توصيل المساعدات المطلوبة مباشرة إلى أيدي أهالي غزة والتأكد من عدم وصولها إلى حماس».
لكن منظمات الإغاثة تقول إن الكمية المحددة أقل بكثير مما تحتاجه غزة لإعالة حوالي مليوني فلسطيني. وقال رئيس إحدى المنظمات الدولية العاملة في غزة: «إنها مزحة. ستون شاحنة يومياً ليست سوى تكتيك من إسرائيل لتخفيف الضغط الدولي، وليست جهدًا حقيقيًا لمعالجة الأزمة الإنسانية».
ـ مسعى لفرض السيطرة:
وطرح القادة العسكريون الإسرائيليون نسخةً أوليةً من الخطة على وكالات الإغاثة في أواخر فبراير/شباط وأوائل مارس/آذار. لكن التقدم تعثر خلال الشهرين الماضيين بسبب اعتراض الأمم المتحدة وجهات أخرى، ومناقشة مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي نفسه لدور الجيش الإسرائيلي.
وقال أعضاء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو إن المساعدات يجب أن تقدم للفلسطينيين مباشرة من قبل الجيش الإسرائيلي. وأشار مايكل ميلشتاين، المستشار السابق للشؤون الفلسطينية في الجيش الإسرائيلي: «إن هدفهم الأساسي هو احتلال غزة بأكملها لإنشاء إدارة مدنية أو نظام عسكري»، وسيكون توزيع المساعدات الإنسانية بمثابة خطوة أولى في هذا الاتجاه.
لكن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير أبلغ مجلس الوزراء الأمني الشهر الماضي أن الجيش غير مستعد أو راغب في تحمل هذه المسؤولية، وفقا لميلشتاين، وسط مخاوف بشأن التوسع في المهام والضغط على قوة مرهقة بالفعل.
ـ شركتان أمريكيتان:
وبدلاً من ذلك، من المتوقع التعاقد مع شركتين أمنيتين أمريكيتين لإدارة الخدمات اللوجستية وتوفير الأمن على طول ممرات التوزيع الأولية وداخل المراكز وحولها. وقد نظمت الشركتان نقطة تفتيش للمركبات على طول طريق رئيسي يربط شمال غزة بجنوبها، ووفرتا طاقمًا بشريًا لها خلال وقف إطلاق النار.
وكان الدعم المادي والسياسي الأمريكي عنصراً أساسياً في قدرة إسرائيل على خوض الحرب، مما يجعل ترامب الزعيم الأجنبي الوحيد الذي يملك النفوذ لإجبار إسرائيل على تغيير مسارها، وفقا لمسؤولين في مختلف أنحاء المنطقة، بما في ذلك في إسرائيل.
ومنح ترامب إسرائيل تفويضًا مطلقًا في غزة منذ أن انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار في مارس/آذار. لكنه صرّح للصحفيين في أواخر أبريل/نيسان بأنه ضغط على نتنياهو مؤخرًا لاستئناف المساعدات للمدنيين في غزة. وأضاف ترامب: «سنتولى هذا الأمر. هناك حاجة ماسة للأدوية والغذاء، ونحن نتولى ذلك».
ـ أسباب الرفض الدولي:
ومن المرجح أن يقيد هذا النظام قدرة وكالات الأمم المتحدة، مثل برنامج الغذاء العالمي ومنظمات الإغاثة الدولية، على العمل في غزة، مع أن إسرائيل لا تزال تأمل في إقناعها بالانضمام إلى المشروع. وكان من المقرر توزيع الوقود والمياه بشكل منفصل في ظل الأنظمة السابقة.
ولدى العديد من المنظمات الإنسانية قواعد تلزمها بتقديم المساعدات بشكل محايد، حيثما كانت هناك حاجة إليها ودون إشراك الجهات المسلحة على أي من الجانبين.
وأعرب مسؤولون من اثنتي عشرة منظمة إغاثة دولية كبرى تعمل في غزة عن مخاوف كبيرة بشأن الخطة الإسرائيلية، بما في ذلك أن تقييد توزيع المساعدات على عدد قليل من المواقع في الجنوب سيكون تمييزيا ويدفع باتجاه موجة أخرى من النزوح.