نحو استقرار مستدام في سوريا

منذ سقوط نظام الأسد تشهد سوريا من حين لآخر مظاهر عدم استقرار تبدو طبيعية بالنظر لعدة عوامل، منها إرث النظام القديم الذي خلّف وراءه تراكماً من المشاكل المعقدة، وتداعيات الاحتراب الأهلي. وقد ثارت الشكوك حول قدرة السلطة الجديدة على حل هذه المشكلات، خاصة بالنظر لخلفيتها الأيديولوجية وممارساتها السابقة التي أثارت الخشية من أن تكون غير ملائمة للتعامل مع حقائق التنوع الديموغرافي السوري. غير أن الخطاب السياسي الرسمي للسلطات الجديدة بدا باعثاً على الاطمئنان إلى أن ثمة محاولة جادة للعبور بسوريا إلى وضع طبيعي يبعث الأمل في سوريا جديدة تقوم على المساواة والعدل. ولعل هذا يفسر السلاسة التي تم بها قبول الحكم الجديد عربياً ودولياً، غير أن الأمل بقي مقيداً بغياب شواهد قوية على تنوع حقيقي في السلطة، وظهر هذا بوضوح في الإعلان الدستوري.

غير أن العامل الأهم يتمثل في المؤشرات على أن ثمة فصائل كانت جزءاً من التحالف المشارك في إسقاط النظام السابق تمارس الآن سلوكاً منفلتاً لا يتسق مع الخطاب السياسي التصالحي لقيادة السلطة الحالية، وقد أقدمت غير مرة على ارتكاب تجاوزات بحق فئات بعينها من مكونات المجتمع السوري، وقد أثارت هذه الممارسات ردودَ فعل غاضبة داخل سوريا وخارجها، كما اهتمت القيادة السورية الجديدة بها، وشكلت لجنةً للتحقيق حولها، وإن لم تصل لنتيجة محددة حتى الآن. والأخطر أن هذه الأعمال تكررت بعد ذلك، وأنها معزَّزة بشرائط مصورة. وقد لوحظ أن بعض الدوائر في سوريا، وكذلك الدوائر الإعلامية المتعاطفة معها، تُلقي بالمسؤولية عن تكرار هذه الأعمال والممارسات على فلول النظام القديم، وبعض مكونات المجتمع السوري، وأخيراً التدخل الخارجي.

ولا شك في أن تلك التفسيرات ليست بلا أساس، فمن المنطقي أن يكون لنظام دام في السلطة أكثر من نصف قرن مؤيدوه الذين استفادوا منه، ويعملون من ثم على إسقاط السلطة الجديدة. كما أن مصالح بعض مكونات المجتمع السوري لا تتوافق بالضرورة مع توجهات القيادة الجديدة، ومن ثم فهي مؤهلة للصدام معها. ولسنا بحاجة للإشارة لحقيقة التدخل الخارجي.

لكنه سيكون من الخطورة بمكان أن يتصور البعض في سوريا أن ذلك التفسير يُمَثل الحقيقة كاملةً، فواقع الأمر أن سلوك بعض الفصائل يحتاج إلى ضبط بما يتسق والخطاب السياسي الرسمي المُعْلَن، وبدون هذا الضبط يمكن للخرق أن يتسع على الراتق، لا سيما وأن دوائر خارجية معروفة لا تخفي نواياها للتدخل في الشؤون الداخلية السورية بحجة حماية الأقليات، بغض النظر عن أن هذه الأقليات نفسها في العموم لا تطلب حمايةً دولية من أحد، ولذلك فسوريا مطالبة بمعالجة الأمر بما يضمن للشعب السوري وحدته وتماسكه، ويسد الذرائع في الوقت نفسه على كل من ينتوي بالبلاد شراً. كما أن الدول العربية التي لم تتردد في إعطاء الفرصة للسلطة الجديدة في سوريا، حرصاً عليها وعلى شعبها، مطالبة بلعب دور حكيم في إخراجها من هذه الحلقة المفرغة، وكلي ثقة في أن ثمة أطرافاً فاعلة في المعادلة السورية الجديدة قادرة على الخروج بسوريا إلى بر الأمان.

الاتحاد

يقرأون الآن