أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجموعة من المستشارين ونواب الوزراء لإجراء محادثات سلام مع أوكرانيا في تركيا "الخميس"، متجاهلا تحدي كييف له بالذهاب إلى إسطنبول شخصيا للقاء الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
وأدى غياب بوتين إلى حالة من التشوش والغموض فيما يتعلق بآفاق المحادثات التي ستكون، في حالة انعقادها، الأولى من نوعها منذ ما بعد الحرب بأسابيع. وأعلنت روسيا أنها ستُعقد في إسطنبول في النصف الثاني من اليوم، لكن تركيا قالت إنه لم يتحدد بعد موعد للاجتماع.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال جولة في الخليج للصحفيين إنه لن يكون هناك تحرك في محادثات السلام إذا لم يجتمع مع بوتين.
وقال ترامب للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأمريكية قبل هبوطها في الامارات "لن يحدث شيء حتى نجتمع أنا وبوتين". ويبدو أن تعليقه قوض بشكل أكبر إمكانية تحقيق تقدم دبلوماسي في تركيا.
ويتنازع الطرفان المتحاربان منذ أشهر على لوجستيات وقف إطلاق النار ومحادثات السلام ويحاول كلاهما أن يظهر لترامب الجدية بشأن تحقيق السلام وإنهاء ما يصفه "بالحرب الحمقاء".
ووصف زيلينسكي عند وصوله إلى أنقرة تشكيلة الوفد الروسي من مساعدي بوتين ونواب الوزراء بأنها مجرد "صورة". وقال إن أوكرانيا ستقرر خطوتها التالية بعد اجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأضاف "نحن بحاجة إلى فهم مستوى الوفد الروسي والتفويض الذي يتمتع به وما إذا كان قادرا على اتخاذ أي قرارات".
وذكرت روسيا أن فريقها موجود في إسطنبول ومستعد للعمل الجاد، واتهمت أوكرانيا "بمحاولة عمل استعراض" حول المفاوضات.
وعندما سُئل عما إذا كان بوتين سينضم إلى المحادثات في وقت لاحق، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف "من السابق لأوانه الآن معرفة نوع المشاركة المطلوبة وعلى أي مستوى ستكون... الوفد الروسي جاهز، وينتظر في إسطنبول".
وأعلنت روسيا اليوم أن قواتها سيطرت على بلدتين جديدتين في منطقة دونيتسك الأوكرانية. وذكّرت المتحدثة باسم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الصحفيين بتصريحه العام الماضي بأن أوكرانيا "تتقلص" في غياب اتفاق لوقف القتال.
سادت حالة من الارتباك في إسطنبول حيث تجمع نحو 200 صحفي بالقرب من قصر دولمة بهجة على مضيق البوسفور، وهو المكان الذي حدده الروس لحضور المحادثات.
وكان زيلينسكي استفز بوتين في وقت سابق من هذا الأسبوع بالتشكيك في شجاعته للحضور. ويقول الكرملين إن بوتين، الذي يواجه تهديدا بعقوبات أوروبية جديدة صارمة "لخنق" الاقتصاد الروسي، لا ترهبه الإنذارات النهائية.
وعقدت آخر محادثات مباشرة بين الجانبين في إسطنبول أيضا في مارس 2022، بعد أسابيع فقط من إرسال بوتين القوات الروسية لأوكرانيا.
وبعد ممارسة ضغوط شديدة على أوكرانيا ومشادة كلامية مع زيلينسكي في اجتماع بالمكتب البيضاوي في فبراير، أبدى ترامب استياءه بشكل متزايد تجاه موقف بوتين في الأسابيع القليلة الماضية وهدد بفرض عقوبات إضافية على التجارة الروسية.
وقال الرئيس الأمريكي اليوم إنه سيتوجه إلى المحادثات في تركيا غداً الجمعة إذا كان ذلك "مناسبا".
وأضاف "آمل فقط أن تتمكن روسيا وأوكرانيا من فعل شيء ما. يجب أن يتوقف هذا".
ليست الأطراف المعنية الرئيسية
إذا مضت المحادثات قدما، فسيتعين عليها معالجة الهوة بين الجانبين بشأن مجموعة من القضايا.
يرأس الوفد الروسي المستشار الرئاسي فلاديمير ميدينسكي وزير الثقافة السابق الذي أشرف على إعادة صياغة كتب التاريخ المدرسية لتعكس رواية موسكو للحرب. ويضم الوفد نائب وزير الدفاع، ونائب وزير الخارجية، ورئيس المخابرات العسكرية.
وشارك أعضاء رئيسيون من الفريق، بما في ذلك ميدينسكي، في محادثات عام 2022، وهو ما يشير إلى أن موسكو تريد المتابعة من حيث ما انتهت إليه المحادثات السابقة.
لكن الشروط التي كانت قيد المناقشة آنذاك، حينما كانت أوكرانيا لا تزال تعاني من آثار الغزو الروسي في بدايته، لم تكن في صالح كييف. وشملت هذه الشروط مطلبا روسيا بخفض كبير في قوام الجيش الأوكراني.
وبعد سيطرة القوات الروسية الآن على ما يقرب من خمس مساحة أوكرانيا، تمسك بوتين بمطالبه القديمة لكييف بالتنازل عن بعض الأراضي، والتخلي عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، والتحول إلى دولة محايدة.
وترفض أوكرانيا هذه الشروط باعتبارها ترقى إلى الاستسلام، وتسعى للحصول على ضمانات لأمنها المستقبلي من القوى العالمية، ولا سيما من الولايات المتحدة.
ويؤيد زيلينسكي وقف إطلاق النار الفوري لمدة 30 يوما، لكن بوتين قال إنه يريد أولا بدء محادثات يمكن خلالها مناقشة تفاصيل هذه الهدنة.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إن زيلينسكي أظهر حسن نيته بزيارة تركيا، لكن هناك "كرسيا فارغا" كان ينبغي أن يجلس عليه بوتين.
وأضاف "يماطل بوتين ومن الواضح أنه لا يرغب في الدخول في مفاوضات السلام هذه، حتى عندما عبر الرئيس ترامب عن استعداده ورغبته في تسهيل هذه المفاوضات".
وفي تسليط للضوء على مستوى التوتر بين روسيا والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، قالت إستونيا إن موسكو أرسلت لفترة وجيزة طائرة عسكرية إلى المجال الجوي لحلف شمال الأطلسي فوق بحر البلطيق خلال محاولة البحرية الإستونية إيقاف ناقلة نفط متجهة إلى روسيا يعتقد أنها جزء من "أسطول ظل" يتحدى العقوبات الغربية على موسكو.