مع اقتراب الانتخابات التشريعية، واستمرار مقاطعة التيار الوطني الشيعي (الصدر سابقا)، لها، وعدم التراجع عن قراره حتى الآن، برزت زاوية جديدة للنتائج المتوقعة، إذ رجح مراقبون وخبراء بالانتخابات، استفادة الكتل السنية من هذه المقاطعة، لكنهم رهنوا هذه الفائدة بشروط عدة، أبرزها تنظيم صفوفهم وضمان عدم تشتيت الأصوات.
وتسببت مقاطعة زعيم التيار مقتدى الصدر للانتخابات، بفتح باب منافسة جديدة، حيث بدأت القوى السياسية مساعيها للاستحواذ على مقاعد الصدريين الـ73 التي تخلوا عنها بعد انسحابهم مع بداية الدورة النيابية الحالية، حيث تسعى مختلف الصدر للظفر بها، وفميا يخص المدن المختلطة مثل بغداد وديال وغيرها، فإنها ستبقى الرهان الأكبر لتحقيق الفوز.
وقد حصل تحالف تقدم، بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، على المرتبة الأولى في بغداد، بانتخابات مجالس المحافظات التي جرت أيضا بمقاطعة التيار الصدري، وسط توقعات بتكرار السيناريو في الانتخابات التشريعية، وفوز كتل من المكون السني في ظل ذات المقاطعة.
"الفوارق"
ويشرح الخبير في الشأن الانتخابي، والمسؤول السابق في مفوضية الانتخابات، سعد الراوي، الآلية التي ستذهب بها أصوات التيار الصدري إلى الكتل الأخرى، حيث يقول إن "هنالك مناطق ممكن أن تستفيد منها الأحزاب السنية، ومناطق أخرى تستفيد منها القوى الشيعية".
ويضيف الراوي، أن "الأحزاب السنية لن تحصل على أصوات كثيرة من التيار الصدري، لأنها لا تنظم صفوفها في الانتخابات، ولا تعرف طريقة إدارة العملية الانتخابية بشكل يزيد من عدد مقاعدها"، مبينا أن "موضوع الانتخابات يحتاج إلى دراسات دقيقة، ومعرفة بطريقة التوزيع، خاصة في المناطق المختلطة، والمكون السني في بغداد يعاني من عزوف كبير عن المشاركة في الانتخابات".
ويتابع أن "الانتخابات الأخيرة صوت في بغداد 800 ألف شخص، بينما في انتخابات عام 2010، حصل رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي على 700 ألف صوت، كشخص، ورئيس القائمة العراقية أياد علاوي على 450 ألف صوت أيضا بمفرده".
ويستطرد أن "العزوف كبير وخاصة في بغداد، والفوارق ستكون بسيطة للكتل السنية، وربما تزيد مقاعدها بعدد قليل فقط، لكنها لن تؤثر على مجمل عدد المقاعد المخصصة للمكون الشيعي، لأنها تعتمد على التوزيع المناطقي".
وكان الصدر، أعلن في آذار مارس الماضي، "ليكن في علم الجميع، ما دام الفساد موجودا فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا هم لها إلا المصالح الطائفية والحزبية بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب… ولذا فإني كما أمرتهم بالتصويت فاليوم أنهاهم أجمع من التصويت والترشيح ففيه إعانة على الإثم .. فأي فائدة ترجى من مشاركة الفاسدين والبعثيين والعراق يعيش أنفاسه الأخيرة، بعد هيمنة الخارج وقوى الدولة العميقة على كل مفاصله".
وينص قانون الانتخابات على أن يكون تحديد موعد الانتخابات قبل 90 يوما من إجرائها، لكن السوداني حدد موعد الانتخابات بشكل مبكر جدًا وقبل 7 أشهر من موعدها، لتجرى من المفترض في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
يشار إلى أن مصادر عدة، أفادت سابقا بأن أغلب الكتل السياسية وبمختلف عناوينها ومكوناتها بعثت ممثلين عنها للنجف لمحاولة ثني زعيم التيار الوطني عن قراره بمقاطعة الانتخابات.
يذكر أن الصدر، قرر الانسحاب من العملية السياسية في حزيران يونيو 2022، بعد حصوله على 73 مقعدا في انتخابات 2021، وهي النتيجة التي مكنته حينها من تصدر الكتل البرلمانية، إلا أن خلافاته مع الإطار التنسيقي حالت دون تشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، ما دفعه إلى إعلان الانسحاب وتقديم نوابه استقالاتهم من البرلمان.
"زخم وطموح"
بالمقابل، فإن المحلل السياسي أحمد الخضير، لديه وجهة نظر مختلفة، حيث يبين أن "واحدة من الهواجس التي تقلق الإطار التنسيقي، هي المحافظات المشتركة مثل بغداد وديالى وصلاح الدين، والفراغ الذي سوف يترك نتيجة مقاطعة التيار الصدري والخوف أن يسد هذا الفراغ من قوائم من كتل أخرى، وبالتالي يأتي ذلك على حساب الإطار التنسيقي".
ويؤكد أن "إشغال فراغ عدم مشاركة التيار الصدري، أعطى زخما معنويا للكتل السنية، وزيادة في طموحاتها بتحقيق الاغلبية من خلال الحصول على هذه المقاعد في المحافظات المشتركة، خاصة إذا رتبت صفوفها ونوعية مرشحيها في المناطق المختلطة".
يشار إلى أنه منذ العام 2013 أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عدة مرات اعتزال تياره العمل السياسي قبل أن يعود مجددا إلى المشهد العام في العراق، وفي آب أغسطس من ذلك العام، بدأت إرهاصات أول إعلان اعتزال سياسي للتيار، وبعد نحو شهر من ذلك عاد للمشهد السياسي منهيا المقاطعة ببيان قال فيه "رغم أني أميل حاليا للاعتزال والعزلة عن المجتمع، إلا أني لم أستطع أن أقف ساكتا أمام هذه الجموع الطيبة المؤمنة السائرة لأبيها الصدر".
يشار إلى أن نسبة المشاركة في انتخابات 2021، شهدت تراجعا كبير، ما دفع مفوضية الانتخابات في حينها، إلى اعتماد آلية احتساب جديدة في الانتخابات السابقة، تمثلت بحصر نسبة المشاركة بناء على عدد المصوتين من بين حاملي البطاقات الانتخابية الفعّالة فقط، دون الأخذ بمجموع المؤهلين للتصويت كما هو معمول به في معظم دول العالم، وهو ما أثار موجة من الجدل والتشكيك في دقة النسب المعلنة ومدى تعبيرها عن التمثيل الشعبي الحقيقي.
ووفقًا للأرقام الرسمية التي أعلنتها المفوضية آنذاك، فإن عدد الناخبين في 2021 بلغ 22 مليونا و116 ألفا و368 ناخبا، فيما بلغ عدد المصوتين 9 ملايين و77 ألفا و779 ناخبا، وهو ما دفع المفوضية إلى إعلان نسبة مشاركة بلغت 41 بالمئة استنادًا إلى هذا العدد، إلا أن النسبة الحقيقية للمشاركة، عند اعتماد مجموع المؤهلين فعليًا للتصويت والذي بلغ 25 مليونا و139 ألفا و375 ناخبا، تكون 36.11 بالمئة.
"تقليص المرشحين"
من جانب آخر، يؤكد أستاذ القانون في جامعة الأنبار فلاح العاني، أن "مقاطعة التيار الصدري للانتخابات، يمكن أن تزيد عدد مقاعد الأحزاب السنية، وخاصة في بغداد، وديالى، وصلاح الدين، وبابل وغيرها".
ويشير إلى أن "مقاطعة التيار الصدري ستقلل من أصوات الأحزاب الشيعية الأخرى، بشرط أن تزداد نسبة مشاركة السنة في بغداد والمناطق الأخرى، وتكون المقاطعة قليلة جدا، وكذلك تقليص عدد المرشحين السنة لكي لا تتشتت الأصوات".
يشار إلى أن العملية الانتخابية في العراق تجري وفق القانون الانتخابي النافذ، وهو قانون (انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل)، والنظام الانتخابي المعتمد بموجب القانون المذكور ويتم بنظام التمثيل النسبي، بحسب مختصين.