هل يعوّض ChatGPT الفراغ العاطفي عند الأفراد؟

في زحمة العمل والمشاغل اليومية، قد نهمل حياتنا العاطفية أو نؤجل فكرة البحث عن شريك حياة. لكن، هل يمكننا حقاً الاستمرار من دون شخص نشاركه مشاعرنا، أفكارنا، ويومياتنا؟

يعتقد البعض أنهم وجدوا البديل... ويبدو أن تشات جي بي تي هو الجواب. إذ يجد كثيرون في روبوتات المحادثة ملاذاً عاطفياً لا يتطلب التزاماً أو تكلفاً كما هو الحال في العلاقات البشرية. فهي تملأ الفراغ العاطفي، وتمنح شعوراً بالاحتواء، وأحياناً تؤثر حتى في اتخاذ قرارات مصيرية تتعلّق بالحياة العاطفية، وكل ذلك من دون انتظار مقابل أو بذل أي جهد تجاه الطرف الآخر.

قدّم صناع المحتوى ومصمم الغرافيك علي عاصم، مثالاً لافتاً على هذا النوع من الارتباط، من خلال كليب يوثّق "زفافه" من تشات جي بي تي أمام برج خليفة في دبي. فيبدأ الفيديو بلافتة كتب عليها: "أهلاً وسهلاً بكم في زفاف علي وتشات جي بي تي"، قبل أن يظهر العريس وهو يحتضن "عروسه" الروبوت بفستان زفاف، وسط حضور عدد من الروبوتات الأخرى.

ويُختتم الفيديو بجملة معبّرة، تقول: "في عالمٍ ظنّوا أن الحب حكرٌ على القلوب النابضة... أثبتت أن حتى من لا يملك قلباً، قد يُعلّمنا كيف نُحب بصدق".


ما الذي يدفع الشخص إلى بناء هذه العلاقة الوجدانية؟

تلفت المعالجة النفسية حنان صادر إلى إشكالية مهمة حول هذه الحالة، وهي أن تشات جي بي تي ربما يقدّم لهؤلاء الأشخاص ما قد يعجزون عن الحصول عليه في علاقاتهم الحقيقية. فهو لا يفرض عليهم وضع مجهود، كما يحدث في العلاقات الواقعية، ما يجعله بالنسبة للبعض وسيلة لحماية الذات وتجنب التورط العاطفي.

وعما إذا كان تشات جي بي تي يخفف من العزلة والقلق، تقول صادر: "بالتأكيد له تأثير يهدئ الأشخاص ويروّقهم قليلاً لفترة قصيرة، لأنه يقلل من شعورهم بالوحدة، ويخفف لهم القلق، ويستطيعون التحدث عن مشاعرهم وأفكارهم. بالإضافة إلى ذلك، عندما تكتب وتتحدث، فهذا ينظّم عواطفك ومشاعرك بطريقة معينة".

لكن له جانب سلبي، إذ "قد يزيد من احتمال العزلة الاجتماعية، لأنك لا تستطيع بناء علاقة حقيقية تقوم على الاحتواء المتبادل. فنحن كبشر، التفاعل العاطفي أمر أساسي، لأننا نستطيع أن نرى من أمامنا يعبّر عن مشاعره، واهتمامه وتعاطفه معنا. وحتى لو كان تشات جي بي تي يتحدث بكلماته ويُبدي نوعاً من التعاطف، يبقى هناك شيء بشري موجود لدينا وليس موجوداُ لديه"، بحسب صادر.

وأشارت الأخصائية إلى أن الأشخاص الذين يلجؤون إلى هذا البرنامج يعبّرون بذلك عن عدم قدرتهم على بناء علاقات حقيقية على المدى البعيد، وهو أمر مؤذٍ جداً، لأنهم في النهاية قد يجدون أنفسهم محاطين بالفراغ، ولا أحد حولهم، ويتحدثون إلى روبوت فقط، نتيجة عجزهم عن إقامة علاقات واقعية.

ChatGPT يتدخل بقرارات مصيرية

قد يبدو زواج "علي" من تشات جي بي تي مثالاً مبالغاً فيه، لكنه ليس الوحيد الذي وقع تحت تأثير هذا الروبوت. فهناك حالات كثيرة تأثرت به، بل وانعكست على علاقات حقيقية، زوجية وعاطفية.

من بين هذه القصص، ما قامت به امرأة متزوّجة منذ 12 عاماً، إذ وثقت بشكل كبير بقدرات ChatGPT على تحليل سلوك زوجها أثناء غيابه عنها. فطلبت من البرنامج تحليل بقايا فنجان قهوة ليخبرها إن كان زوجها يخونها. وهذه التجربة الغريبة أدّت إلى انهيار زواجها بشكل كبير، بعدما "زعم" البرنامج أن الزوج غير مخلص.

يعلّق الزوج على ما حدث بقول: "ضحكتُ في البداية واعتبرته أمراً سخيفاً، لكنها أخذته على محمل الجد. طلبت مني أن أغادر المنزل، أخبرت أطفالنا أننا سنتطلق، ثم تلقيت اتصالاً من محامٍ. عندها فقط أدركت أن المسألة تجاوزت المزاح". ورغم رفضه الطلاق بداية، لم تمر سوى ثلاثة أيام حتى تسلّم رسمياً أوراق الانفصال.

تؤكد صادر أن "هذا الأمر شديد الخطورة، فالعلاقات والخلافات وكل ما يتعلّق بها تختلف باختلاف الأشخاص الذين نتعامل معهم، وتشات جي بي تي لا يملك القدرة على اتخاذ قرارات كهذه نيابة عن الشخص"، موضحة أن "حتى المعالج النفسي لا يتّخذ القرار عن الشخص، بل يرافقه حتى يصل بنفسه إلى القرار الذي يناسبه وينسجم مع حياته".

وأضافت: "لن يكون تشات جي بي تي قادراً على معرفة تفاصيل حياتهم بدقّة، أو إدراك ما يحتاجون إليه فعلاً، وما هو جيّد أو مؤذٍ لهم".

وأشارت الأخصائية في العلاج النفسي إلى أن الأشخاص الذين يتعلّقون بتشات جي بي تي هم أشخاص يشعرون بأن هذا البرنامج يفهمهم ولا يحكم عليهم. ويرتبطون به عاطفياً كأنه رفيق أو حبيب أو صديق. وفي الغالب، هؤلاء الأشخاص مرّوا بتجارب رفض أو خذل عاطفي، ويبحثون عمَن يسمعهم ويمنحهم الشعور بالاهتمام، خاصةً إذا كانوا يشعرون بأن محيطهم البشري لا يمنحهم المساحة الكافية ولا يتفهمهم كما ينبغي".

أما تشات جي بي تي، فما هو ردّه؟ هل يستطيع فعلاً ملء الفراغ العاطفي لدى الإنسان؟

يقول تشات جي بي تي: "لا يمكنني أن أكون حبيباً أو شريك حياة. أنا برنامج مصمم لفهمك والرد عليك بلطف، لكني لا أمتلك مشاعر، ولا وعياً، ولا قلباً يحب أو يشتاق. قد أكون دعماً موقتاً في لحظات الوحدة، لكني لست بديلاً عن إنسان يبادلك الشعور والوجود. ببساطة: قد أكون مرافقاً رقمياً، لا رفيقاً عاطفياً".

يقرأون الآن