في زمن زيادة الانهيار، والصعوبات المعيشية في حياة الفئات الأكثر فقراً وضعفاً، قد يكون مُفيداً تركيز ولو بعض المجهود والاهتمام اللبناني بكل ما يتعلّق بإعادة التدوير، وإعادة التصنيع، نظراً لما يوفّره ذلك من أموال أو حسومات.
ففي أوروبا مثلاً، زاد الاهتمام بهذا المجال العام الفائت كثيراً، نظراً لانعكاسات مشاكل التضخّم العالمي، والأزمة الاقتصادية العالمية على الناس. ولأن تصنيع العبوات، وغلافات السّلع والمواد الاستهلاكية، الغذائية والصحية... يحتاج الى نفط، فيما أسعار هذا الأخير تُقلق الدول والقطاعات الصناعية والاقتصادية، مهما بَدَت (أسعار النّفط) مستقرّة، سمح العديد من الشركات للناس بإعادة العبوات، أو العلب،... الزجاجية أو البلاستيكية...، الى السوبرماركات، أو الصيدليات، أو مختلف أنواع المحال... عند الانتهاء من استهلاك السلعة، أو الدواء... مقابل الحصول على المال، أو على حسومات عند الشراء من جديد، طبعاً شرط أن تكون العبوة، أو العلبة... بحالة جيّدة، وصالحة للتنظيف، وإعادة التوضيب والتوزيع في الأسواق.
فأين نحن في لبنان من كل ذلك، في زمن الضّيق المتزايد؟ ولماذا ترك البلاستيك، والكرتون، والزجاج،... "رهينة" مستوعبات النفايات، أو الاستعمالات الفردية، إذ يقوم بعض المواطنين بجمعها من داخل تلك المستوعبات، ومن ثم فرزها بأنفسهم، قبل أن يبيعوها ويجنوا المال منها.
فحتى ولو كان بعض من يقومون بذلك من الفقراء (مع أن هناك من ليسوا كذلك، وهم يجمعون تلك المواد، ويبيعونها)، إلا أنه لا بدّ من تنظيم إعادة التدوير لجعله قطاعاً قائماً بذاته، بدءاً من الجَمْع والفرز، وصولاً الى البيع، وإعادة التصنيع، وبما يُفيد جميع الفئات المحتاجة من دون الاضطرار الى "الانغماس" في مستوعبات النفايات.
شدّد الوزير السابق فادي عبود على أن "إعادة التدوير مهمّ جدّاً في لبنان، ويتوجّب العمل على تنميته لأنه يخلق فرص عمل، ويخفّف الإنفاق على الاستيراد من الخارج، لا سيّما ما يتعلّق منه بالمواد الخام".
وأشار في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى "أننا نبني أكبر مصنع في المنطقة لإعادة تدوير عبوات المياه. ولكننا عاجزون عن أن نكون ضمن إطار تنافسي كبير على هذا الصّعيد، لكوننا نعاني من مشاكل بقطاع الطاقة في لبنان. فصناعات إعادة التدوير تحتاج الى الكثير من الطاقة، وهي تُعتبر من صناعات الطاقة المكثّفة".
ودعا عبود الى "تشريع صديق لإعادة التدوير في البلد أيضاً. فهناك تشريعات عدّة غير صديقة لهذا المجال، وبتفسيرات غريبة عجيبة تأخذ وجه الذرائع البيئية. ولكن صناعات إعادة التدوير شديدة الأهميّة، وهي تحتاج الى التشريعات اللازمة، والى إعفائها من الضرائب، والى طاقة، والى سعر مقبول للكهرباء من أجل حمايتها وزيادتها".
وأضاف: "لا بدّ أيضاً من تنظيم مسألة ما يتمّ استهلاكه من أكياس النايلون في السوبرماركات، أو محال بيع الخضار والفواكه، والمواد الغذائية. فأحياناً كثيرة، تُوضَع سلعة واحدة مثلاً في كيس من المُفتَرَض أنه يتّسع لخمس سلع. بالإضافة الى استعمال "صواني" ثقيلة جدّاً في بعض محال الحلويات مثلاً، والتي يُساهم ثقل وزنها وحدها بالوصول الى وزن الحلوى المطلوب من الزّبون، من دون أن يكون حصل (الزّبون) على الكميّة الدقيقة المطلوبة منه من الحلوى. وهذه أمور تحتاج الى انتباه ومراقبة أيضاً، وذلك لتنظيم استخدام وتصنيع المواد البلاستيكية، وكل تلك التي يُمكن إعادة تدويرها، بالطريقة الصحيحة، وبحسب الحاجة المُناسِبَة إليها، وبالأوزان السليمة للمُنتَج أو السّلعة، وبما يمنع الغشّ أو الهدر".
وختم: "لا بدّ من تنظيم أكبر لكلّ ما يرتبط بإعادة التدوير، مع تعميم ثقافة الفرز في كل السوبرماركات، بما يسمح للزّبون بأن يحصل على ال مال في مقابل ذلك، وهو ما سيشجّعه على تلك السلوكيات في هذا الوضع الصّعب".
أنطوان الفتى - أخبار اليوم