يوم الأربعاء المنصرم، عقدت لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية جلسة لها في المجلس النيابي، كانت مختلفة عن الجلسات التي تعقدها عادة لجهة جدول الأعمال حيث تصدّر ملف النازحين السوريين صدارة النقاش وقد باتت كلفة هذا النزوح وفق دراسة لوزارة الخارجية اللبنانية حوالى 3 مليارات دولار سنوياً.
وفق رئيس اللجنة النائب فادي علامة فقد خُصصت الجلسة لملف النازحين وحضرها 19 سفيراً من دول أوروبا والدول المعنية بهذا الملف، وكان الهدف التشارك معهم بالمعلومات نتيجة اللقاءات التي عقدت مع الوزراء والمؤسسات المعنية بموضوع النزوح، والتي أخذت ستة أشهر من اللقاءات التي أثمرت رزمة من المعلومات تمّ تجميعها، بالتعاون مع قيادة الجيش ومديرية المخابرات والأمن العام وقوى الأمن وجميع المعنيين بملف النازحين في لبنان.
وعلمت «نداء الوطن» أنّ السفراء الذين حضروا وحتى الممثلين عن بعضهم كانوا مستمعين أكثر منهم متحدثين وكانوا يطرحون بعض الأسئلة لا سيما وأنهم يأخذون على الجهات المسؤولة والمعنية في لبنان عدم وجود «داتا» موحّدة ودقيقة حول ملف النزوح وتشعباته، الأمر الذي تم العمل عليه خلال فترة التحضير لهذا اللقاء مع اللجنة الوزارية ومختلف الأجهزة الأمنية المعنية.
لقاءات مكمّلة
كذلك علمت «نداء الوطن» أنّ هذا اللقاء سيُستتبع بلقاءات أخرى مكمّلة خلال الأسابيع المقبلة بغية التوصل ربما إلى آليات تُسهل وتسرع عودة النازحين إلى بلادهم، والتي ستُعقد مع منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى التي تقوم بدعم النزوح، تمهيداً لرفع توصيات إلى كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول هذا الموضوع الحساس، الذي قد يتفق اللبنانيون جميعاً عليه ويتم التعامل معه والتفكير فيه بطريقة مختلفة عما كان منذ حوالى 10 سنوات.
رئيس اللجنة النائب فادي علامة كشف لـ»نداء الوطن» جملة من الوقائع والمعطيات حول هذا الملف ومنها مثلاً أنّ نسبة النازحين باتت تُشكل 30% من المقيمين في لبنان كما أنّ نسبة الولادات السنوية لدى النازحين باتت قريبة جداً من نسبة ولادات اللبنانيين، كما أنّ عدد النازحين وفق التقاريرالرسمية اللبنانية هو مليونان و82 الفاً بينما أرقام مفوضية النازحين تتحدث عن 840 ألفاً فقط، وهذا طبعاً نظراً لوجود المعابر غير الشرعية واستخدامها من قبل النازحين من أجل الإستمرار في الإستفادة من المساعدات التي تُقدم لهم شهرياً.
ولفت علامة إلى أنّ اللقاء مع السفراء تضمن عرضاً مفصلاً حول جغرافية توزّع النازحين في لبنان، اذ تبلغ نسبتهم في البقاع 40% وجبل لبنان 23% والشمال 27% والجنوب 11% كما أنّ هناك حوالى 200 ألف طفل سوري ولدوا في لبنان منذ بداية الأزمة حتى الآن أي بمعدل 20 ألفاً سنوياً وقد ارتفعت هذه الأرقام وفق آخر إحصاء لتصل إلى 50 ألف ولادة سنوياً مقابل 70 ألف ولادة لبنانية.
وتطرق إلى الدراسات التي أجريت حول النازحين ومنها دراسة للجامعة الأميركية بيّنت أن معدل العائلة السورية هو 5 أفراد بينما معدل العائلة اللبنانية هو 3 أفراد وبالتالي فإذا استمرت الأمور كما هي سيصبح معدل النازحين بعد خمس إلى عشر سنوات بمعدل 50% من المجتمع في لبنان.
وتحدث علامة أيضاً عن الشق الأمني وما يشهده لبنان من عمليات سرقة وقتل وترويج للمخدرات إلى جانب الأعمال الإرهابية التي شهدها لبنان مع بداية الربيع العربي والتي أدت إلى وقوع عشرات الضحايا وكيف بيّنت الإحصاءات أنّ 27% من المساجين في لبنان هم سوريون و48% منهم في قسم الأحداث.
وتناول علامة ما تم شرحه للسفراء حول وجود أسلحة داخل مخيمات النازحين والخلافات التي تحصل بينهم وحتى مع جيرانهم من القرى والبلدات اللبنانية وكيف أنّ التقارير تظهر أنّ نوعية الأسلحة الموجودة تثبت سهولة دخولها وتواجدها في المخيمات وكيف أنّ كل ذلك يُشكل ضغطاً أيضاً على عمل القضاء اللبناني.
وفي الشق السياسي، تمّ عرض الخوف أو التخوف الأوروبي من موضوع النزوح وإمكانية أن يتحول لبنان منصة للهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا ومركزاً للإنطلاق بعمليات إرهابية ضدها والتعامل مع الأمرعلى قاعدة عدم التشجيع على عودة النازحين من قبل بعض القوى والأطراف الغربية وهو ما يُترجم عبر دعم بعض البرامج المرتبطة بالإندماج الإجتماعي والتخوف اللبناني من هذه الخطوات مع العلم أنّ الوضع بات في سوريا بنسبة 80% تحت سلطة الدولة منذ العام 2020 وأي خطوات لها علاقة بالعقوبات وغير ذلك يؤثرعلى عودة النازحين التي يتفق الجميع على ضرورة أن تكون آمنة وضمن الأطر التي يُحددها القانون الدولي.
وتم التذكير بالمعاهدات التي انضم إليها لبنان والموقّعة عام 1951 والمتعلقة بالنزوح وضرورة إحترام القوانين من قبل اللاجئ في الدولة المضيفة وكيف أنّ المادة 32 تُعطي الحق للدولة المضيفة في حال المخالفة بإعادته إلى بلاده.
الوضع الإقتصادي
كذلك تمّ شرح الواقع الإقتصادي الصعب الذي يُعاني منه لبنان حيث بلغت نسبة البطالة 40% وفي أحد أسبابها اليد العاملة السورية وفتح مؤسسات صغيرة منافسة لا تدفع الضرائب، وهناك إحصاءات تتحدث عن أكثر من ألف شركة غير مسجلة يملكها النازحون السوريون، إضافة إلى أن غالبية النازحين لا تدفع رسوماً وضرائب. وقد بيّنت إحدى الدراسات أنّ كلفة زيادة الكهرباء بسبب النازحين بلغت 350 مليون دولار سنوياً وزيادة على استهلاك المياه ما بين 8 و12% سنوياً وكذلك استهلاك الطرقات بنسبة 50%. وهناك أيضاً ظاهرة الزواج المبكر والتشرد والدعارة والتوتر بين اللبنانيين والنازحين وكيف أن النازح استفاد من الأدوية المدعومة خلافاً للبنانيين.
وأوضح علامة في حديثه أنّ تقارير اللجنة الوزارية ذكرت الخطوات التي قامت بها الجهات السورية الرسمية لتسهيل العودة ولا سيما منها إقامة مجمعات سكنية في المناطق المدمرة وغيرها من الخطوات.
ومن الخلاصات التي عُرضت مسألة ضبط الحدود والتعاون مع المؤسسات الدولية المعنية من أجل تسريع العودة أو حتى تأمين النازح الذي لا يريد العودة ويطلب اللجوء السياسي إلى الخارج.
وكشف علامة أنّ القسم الأكبر من السفراء الذين شاركوا في هذا اللقاء أكدوا أن التعامل مع هذا الملف غير مرتبط بالسياسة وإنما هم مع العودة بعد نضوج الأمور على المستويات التربوية والصحية والإجتماعية. ولفت إلى أن هؤلاء السفراء يُشجعون لبنان على الحديث مع الأمم المتحدة والتواصل مع الحكومة السورية لتسريع العودة مع استعداد من قبل الإتحاد الأوروبي للمساعدة في ضبط الحدود.
في المحصلة، هناك من فصل الملف من السفراء عن السياسة على قاعدة أنهم يُقدمون المساعدات للأكثر حاجة بمعزل عن الجنسية ووضع النزوح لكن المتابعة بحاجة إلى توحيد المعلومات والتواصل دولياً ومع سوريا لأن المزيد من التأزم في سوريا سيزيد أعداد النازحين ويُفاقم الأزمة.
أكرم حمدان - نداء الوطن