هل وضع لبنان على طريق حلّ الأزمة السياسية وتالياً السعي لمعالجة الوضع الإقتصادي؟ هناك مؤشرات تفيد بأن الأوضاع المالية، السياسية، والإقتصادية قد وضعت على مشرحة البحث من قبل عواصم ودول مهتمة بالملف اللبناني.
إلى جانب هذه المؤشرات لا بد من تسجيل بعض الشواهد وأبرزها الإعلان عن توقيع اتفاق الشراكة في عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البلوكات اللبنانية ولا سيما البلوكين رقم 4 ورقم 9. عملياً أنجز اتفاق الشراكة بين شركة قطر للبترول وشركتي توتال الفرنسية وايني الإيطالية، وتوزعت الحصص بنسبة 30 بالمئة للشركة القطرية، مقابل 35 بالمئة لكل من الشركتين الفرنسية والإيطالية.
تنسيق قطري-اميركي -سعودي
لا بد من التوقف عند أهمية ودلالات دخول دولة خليجية إلى هذا المجال في لبنان، خصوصاً أن لبنان كان في حالة انقطاع عن دول الخليج. فهذا مؤشر على جدّية في المقاربات، وسيعطي دفعاً إيجابياً على الصعيد المعنوي اولا، كما سيكون له تداعيات ايجابية على الوضع السياسي والإقتصادي العام لاحقاً. اذ لا يمكن في هذا السياق إغفال علاقة قطر الجيدة مع كل دول الخليج بالإضافة إلى علاقاتها الجيدة مع المجتمع الغربي. ولا يأتي التحرك القطري من فراغ بل هو على درجة عالية من التنسيق مع المملكة العربية السعودية ومع الولايات المتحدة الاميركية.
شروط الاصلاح
منذ مشاركة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في قمة بيروت الإقتصادية بشهر كانون الثاني عام 2019، كان الموقف القطري واضحاً في الوقوف إلى جانب لبنان ولكن لا بد للبنانيين من الوقوف بجانب أنفسهم. فالتضامن القطري الواضح لا يعفي اللبنانيين من ضرورة إنجاز الإصلاحات المطلوبة لتتشجيع دول الخليج إلى الدخول في مجال الإستثمار مما سينعش الواقع الإقتصادي، ولطالما طالب اللبنانيون قطر، كما غيرها من دول الخليج، لتقديم مساعدات إقتصادية وإستثمارية في مجالات متعددة كإنتاج الكهرباء والتنقيب عن النفط والغاز والمساعدة لاحقاً في عمليات الإستخراج والتصدير. كانت الشروط واضحة حول إنجاز إصلاحات سياسية وإقتصادية. وهذا أمر منفصل عن المساعدات الإنسانية التي جرى تقديمها طوال السنوات الماضية والمساعدات التي كانت قطر أول من بدأ بتقديمها للجيش اللبناني.
تزايد المؤشرات
إذا ما وضعت هذه المؤشرات الجديدة في سياق كامل مع الإجتماع الرباعي الذي سيعقد في العاصمة الفرنسية باريس الشهر المقبل، للبحث في حلّ الأزمة السياسية والوصول إلى اتفاق حول انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة منسجمة معه، ووضع خطة إقتصادية وإصلاحية واضحة، فيمكن حينها الإستنتاج بأن الإهتمام الدولي بلبنان يسجل تقدماً، وبأن السعي لإيجاد حلّ للازمة يتزايد.
فإلى جانب الشراكة بين شركة قطر للبترول وتوتال الفرنسية في التنقيب عن النفط والغاز، والتي انطوت على تشاور فرنسي قطري لم يكن بعيداً عن مناقشة كل السياقات السياسية للوضع في لبنان، فإن التنسيق القطري السعودي كان متقدماً أكثر. ولا يمكن إغفال التنسيق القطري الأميركي، وسط معلومات تفيد بأن هذا التنسيق سيتزايد ويستمر في الأيام المقبلة وبالتحديد قبل انعقاد الإجتماع الرباعي، تنسيق سيشمل الغوص في تفاصيل الملف اللبناني، إذ تشير مصادر قريبة من الأميركيين إلى أنهم يركزون على متابعة ملف لبنان للوصول إلى تسوية، خصوصاً أن ما يهم واشنطن هو انجاز هذه التسوية قبل الوصول إلى انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولأن التركيز الأميركي ينصب على مواجهة ومكافحة الإقتصاد الموازي الذي نشأ بفعل الأزمة وحول لبنان إلى سوق مفتوحة لتبييض الأموال.
ايجابية الدور القطري
في لبنان هناك تعويل إيجابي على الإجتماع الرباعي، وعلى الحركة القطرية، لا سيما أن عدداً من المسؤولين اللبنانيين يعتبرون أن قطر لم تدخل في مسار سياسي معين أو في مفاوضات إلا وحققت فيه النتائج المطلوبة بالإستناد إلى الدور الديبلوماسي الذي تؤديه. يستعيد اللبنانيون تجربة قطر في اتفاق الدوحة وكيف نجحت في تكريس الإتفاق ووقف التدهور الأمني والعسكري، كما يستشهدون بنجاحها في إدارة المفاوضات بين الإدارة الاميركية وطالبان وصولاً إلى العمل الذي قامت به في أفغانستان بعد الإنسحاب الأميركي. ويستند هؤلاء إلى قدرة قطر التفاوضية بين واشنطن وطهران خصوصاً حول الملف النووي، وأن قطر تتمتع بعلاقات قوية مع مختلف القوى والأطراف المتناقضة وبالتالي يمكنها تحقيق خروقات والحصول على تنازلات. إنطلاقاً من هنا يعوّل اللبنانيون بإيجابية على الدور القطري بالتنسيق مع العواصم الثلاث ويقرأون بإيجابية مؤشر دخول قطر إلى كونسوريتوم التنقيب عن النفط والغاز والذي لا بد أن يكون له ما يتبعه لاحقاً.