كالنار في الهشيم ترتفع أسعار السلع والخدمات، ولا يفرمل صعودها الهستيريّ على وقع ارتفاع الدولار، سوى تحويل الأسعار من الليرة اللّبنانية الى الدولار، كما حصل مع الألبسة والإلكترونيات، والتأمين الصحيّ، والمطاعم والمقاهي، وفاتورة المولدات، وأخيرا السوبرماركات...
ولكن ما تأثير الدولرة الشاملة على الواقع الاقتصاديّ، وهل باتت مطلبا ملحا اليوم، خصوصا في ظلّ تقلبات الدولار وفي غياب الرقابة؟!
الخبير الاقتصاديّ لويس حبيقة، يوضّح أنّ الدولرة الشاملة تعني إلغاء اللّيرة اللّبنانية نهائيا، والاستعاضة عنها بالدولار، فيصبح هو العملة المتداولة.
من الناحية السياسية، يرى حبيقة أنّ "الليرة" سلاح اقتصادنا وعملة وطننا، أمّا الدولار فهو عملة الولايات المتحدّة الأميركيّة، والتسليم به يضعنا تحت سيطرة سياسات أميركا الاقتصادية ومصالحها من جهة، ومن جهة ثانية، فإنّ مشكلة لبنان ليست نقدية كما يحاول البعض تصويرها، إنّما سياسية تنعكس على النقد، وبالتالي الاصلاح النقديّ ممكن في حال وجدت النيّة باعتماد الاصلاح السياسيّ والذي باتت ركائزه معروفة، من انتخاب رئيس الى تأليف حكومة جديدة وتنفيذ الاصلاحات، واعادة الاعتبار للقضاء والمؤسسات.
أضف الى ذلك، أن لبنان ليس جاهزا "لدولرة" إقتصاده خصوصا في ظلّ الواقع النقدي والماليّ اليوم. فهذا المبدأ يعني حكما القضاء على عدد كبير من القطاعات في البلاد ومنها القطاع الزراعيّ والصناعيّ، وستشكلّ الدولرة عائقا أمام تصدير المنتجات الزراعيّة، اذ سترتفع أسعار هذه المنتجات لتخرج بالتالي من قائمة المواد المنافسة.
كذلك الأمر بالنسبة الى الصناعة، فلبنان لا يمتلك قاعدة انتاجية كبيرة، والصادرات ناتجة عن وجود قطاعات اسعارها منخفضة كالنبيذ اللبنانيّ، الذي تعتبر كلفة انتاجه بالاساس أكبر من كلفة الانتاج في الخارج، فكيف مع تحويل أسعاره الى الدولار؟
من السلبيّات أيضا، برأي حبيقة، أنّ عددا كبيرا من الشركات الصغيرة ستقفل أبوابها لأنها غير مستعدّة لتسديد مدفوعاتها بالدولار، ومنها مثلا 23000 ألف "دكانة" منتشرة على كافة الأراضي اللّبنانيّة مقابل السوبرماركات التي قد تتمكن من الصمود.
سياحيا، يجذب لبنان اليوم عددا لابأس به من السياح، على اعتبار أنه بات بلدا رخيصا بالنسبة الى المغتربين والسياح، لكن دولرته ستفقده عامل الجذب هذا.
لبنان ايضا لا يملك مصدر دخل قويّا بالدولار كالبترول وغيره. ويؤكد أن كلفة النقلة الى الدولرة "خطرة"، وتعترضها صعوبات ادارية جمّة، في المقابل يمتلك لبنان أرضية جاهزة لاعادة استيعاب التغيير الايجابيّ.
على أيّ حال، يعتبر حبيقة أنّ العوامل المؤثرة على لبنان، والتي ساهمت بإنهيار اللّيرة، سواء أكانت داخلية أم خارجية أم اقليمية، لن تدوم الى الأبد. وتاليا، أن تكون لدينا عملة وطنية ومصرف مركزي قادر على استيعاب التغيير الإيجابيّ أفضل من المأسسة من جديد.
سمر الخوري - المركزية