مشهد جديد شهده مجلس النواب أمس، مع إنسحاب الكتل النيابية المسيحية الثلاث، "لبنان القوي"، "الجمهورية القوية" و"الكتائب اللبنانية"، بالإضافة إلى عدد من النواب المسيحيين، من اجتماع اللجان النيابية المشتركة، بعد الجدل الذي فرض نفسه حول مشروع القانون الذي أعدته الحكومة لاستقدام الفيول العراقي، لأنّه لم يحصد تواقيع كل الوزراء.
وفي حين رأى البعض أن مشروع القانون الحكومي ليس دستورياً، والسير به يعني الخروج عن الصلاحيات، اعتبر البعض الآخر في الانسحاب تعطيلاً يُضاف إلى المشهد التعطيلي الذي تعاني منه البلاد، واصطفافاً طائفياً، لأن النواب المنسحبين جميعهم مسيحيون، وهذا ما لا يخدم البلاد في المرحلة الحسّاسة التي يمر بها، وفي ظل تصاعد نبرة الخطاب الطائفي.
من الواضح أن التيار الوطني الحر يستكمل معركته ضد حكومة تصريف الأعمال ورئيسها نجيب ميقاتي، والانسحاب من الجلسة كان هدفه زيادة الضغط في هذا السياق، بالإضافة إلى إشهاره ورقة الضغط لتعطيل هذه الجلسات لاستثمارها في معركة رئاسة الجمهورية، فيما قدمت القوات اللبنانية والكتائب تبريراً "دستورياً" أكثر منه سياسياً، وربطا ذلك طبعاً بالضغط لإنجاز استحقاق رئاسة الجمهورية.
عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب ميشال موسى لفت إلى أن "اعتراض تكتّل "لبنان القوي" على مشروع القانون والانسحاب من جلسة اللجان المشتركة لا يخرج عن سياق مسار الاعتراض على الجلسات الحكومية".
وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، شدّد موسى على أن "مصالح المواطنين أولوية، ومن الضروري أن تتابع الحكومة عملها في نطاقها الضيق، ويواكبها مجلس النواب ولجانه وهيئته العامة بتشريع الضرورة، لأن لا يُمكن تعطيل السلطات حتى انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وهو الأمر الذي قد يطول، علماً اننا ندعو لإنجاز الملف الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت".
ومع العلم أن الموضوع اتخذ منحىً طائفياً، إلّا أن موسى أشار إلى أن "السياق سياسي، لكن المشهد غير صحي في جميع الأحوال، وليس من عادات مجلس النواب أن يشهد هذا الانقسام"، كاشفاً أن "التواصل يجري مع الجميع للبناء على الشيء مقتضاه بالنسبة لجلسات اللجان المقبلة، لكن لا مصلحة لأحد في تعطيل هذه الاجتماعات".
على المقلب الآخر، وفي حين رأى البعض تقارباً قواتياً عونياً في ما حصل، وكأن ثمّة اتفاقاً بين الطرفين، نفت عضو تكتّل "الجمهورية القوية" النائب غادة أيوب وجود أي اتفاق بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وأكّدت أن "ما حصل لم يكن مخططاً ولا ممنهجاً، والانسحاب لم يكن منسقاً مع باقي الكتل، كما أنّه لم يكن كخطوة مسيحية بوجه المسلمين كما تم تصوير الأمر".
وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، أوضحت أيوب سبب موقف القوات اللبنانية، ولفتت إلى أن "الدستور ينقل صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولايته إلى الحكومة مجتمعة، ومشروع القانون الذي ورد منها لم يحصد سوى بضعة تواقيع، الأمر الذي أثار جدلاً دستورياً في الجلسة، وبسبب التجاذب الدستوري، انسحبنا، تفادياً للغوص به".
وشدّدت أيوب على أن "الموقف لا يشمل كل جلسات اللجان النيابية المشتركة، و"الجمهورية القوية" ستستمر في حضور الجلسات، لكن وفقاً للأصول الدستورية، فإما تُطرح مشاريع قوانين لم يتم البت بها كان قد وقعها رئيس الجمهورية السابق ميشال عون قبل انتهاء ولايته، أو مشاريع قوانين تحصد تواقيع جميع الوزراء".
في المحصلة، ورغم أن النقاش "الدستوري" يحضر عند معظم أنشطة السلطات الرسمية في ظل الواقع الراهن إلّا أن إنجاز ملفات المواطنين الأساسية ضرورية، لأن الظروف المعيشية آخذة بالتردّي يومياً، وما عاد المواطنون مهتمون سوى بتأمين أساسياتهم.