تتسارع التطورات في محافظة السويداء جنوبي سوريا على وقع تدخل عسكري وأمني مباشر، في مشهد يؤشر إلى أن الدولة السورية حسمت أمرها باتجاه إنهاء حالة الفراغ الأمني والانفلات المسلح، التي تفاقمت خلال الأيام الماضية عقب اندلاع مواجهات عنيفة بين مجموعات محلية وعشائرية أسفرت عن مقتل وجرح العشرات.
وقد عزز هذا التوجه البيانان الصادران عن وزارتي الدفاع والداخلية، واللذان تضمّنا نبرة حازمة تعكس الانتقال من سياسة الترقب والدعوات إلى التهدئة، إلى فرض السيطرة الميدانية على الأرض، واستعادة سلطة المؤسسات، في مواجهة ما وُصف بـ"المجموعات الخارجة عن القانون".
وفي حين بدأت وحدات من الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي انتشارها في محيط الأحياء المتوترة منذ صباح الإثنين، أكدت التصريحات الرسمية، وخاصة ما ورد على لسان المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا، أن الأمور تتجه نحو الحسم التام "مع حلول عصر اليوم"، ضمن رؤية وضعتها رئاسة الجمهورية، وبالتنسيق مع الأطراف المحلية الفاعلة.
وجاء هذا التصعيد المنظّم بعد تسجيل أكثر من ثلاثين قتيلاً ونحو مئة جريح إثر الاشتباكات المسلحة، وسط اتهامات باستخدام المدنيين كدروع بشرية، وتهديد مباشر للسلم الأهلي، ما استدعى "التدخل الحاسم"، وتطبيق خطة انتشار أمني تهدف إلى نزع السلاح، واستعادة المختطفين، وملاحقة المطلوبين.
في ظل هذه المؤشرات، يبدو أن السويداء مقبلة على مرحلة مفصلية، قد تنهي شهوراً من التوترات المتراكمة، في وقت يترقّب فيه الأهالي مآلات هذا التحرك، وسط مخاوف من توسع الاشتباكات أو تبعات أمنية أوسع.
فراغ إداري منذ سقوط النظام
منذ سقوط النظام المخلوع، بقيت محافظة السويداء خارج نطاق السيطرة المباشرة لأجهزة الحكومة التنفيذية، بما في ذلك الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي، ما جعلها ساحة مفتوحة لتنامي قوى محلية وغياب سلطة الدولة التقليدية، ما أسّس لواقع خاص في المحافظة، تميّز بتركيبة محلية معقدة من الفصائل والمجموعات المسلحة.
وفي هذا السياق، حاولت فصائل محلية تنظيم صفوفها لمواجهة محاولات الحكومة استعادة السيطرة على المحافظة، مدعومة في ذلك برؤية حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل لدى طائفة الموحدين الدروز، الذي عبّر مراراً عن استيائه من أداء الحكومة، وذهب إلى حد المطالبة بتدخل دولي.
ومع تواصل الغياب الرسمي، لم تبقَ تداعيات الفوضى داخل حدود السويداء فقط، بل امتدت إلى مناطق في محيط دمشق، مثل جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا، التي شهدت هي الأخرى توتراً أمنياً واضطرابات مماثلة. إلا أن الدولة استطاعت لاحقاً حسم تلك الملفات عبر تدخلات أمنية مكثفة، في حين ظلّ وضع السويداء معلّقاً بين محاولات الاحتواء وخشية التصعيد.
وفي ذروة هذا التوتر، تعرّض محافظ السويداء مصطفى البكور لإهانات علنية على يد مجموعات مسلّحة تنشط داخل المحافظة، ما دفعه إلى تقديم استقالته.
في المقابل، صدرت خلال الفترة الماضية عدة تصريحات من مسؤولين إسرائيليين حذّروا فيها من أن أي محاولة لمهاجمة الدروز في سوريا ستُقابل برد حازم.
اشتباكات دامية تفتح باب التصعيد
اندلعت اشتباكات عنيفة، صباح الأحد، في مدينة السويداء بين فصائل محلية ومجموعات مسلحة من عشائر البدو، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، وفق مصادر محلية.
وتركزت المواجهات في حي المقوّس شرقي المدينة، وسط توتر غير مسبوق، وتبادل للاتهامات بين الأطراف المتنازعة بشأن مسؤولية التصعيد.
وفي محاولة لاحتواء التدهور السريع في الوضع الأمني، أعلنت وزارة الداخلية السورية عن انتشار وحدات من قوى الأمن الداخلي على الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والسويداء.
وقال العميد شاهد جبر عمران، قائد قوى الأمن في درعا، إن الخطوة جاءت بتوجيه من القيادة المختصة، لمنع امتداد التوتر إلى ريف درعا الشرقي، مشيراً إلى التنسيق الكامل مع الجيش واللجان المختصة لضبط الأوضاع.
وتعود شرارة التصعيد إلى حادثة سلب سيارة محمّلة بالخضار على طريق دمشق – السويداء، واحتجاز سائقها مؤقتاً، يوم السبت الماضي، وقد أثارت الحادثة ردود فعل غاضبة تمثلت في قيام مجموعات مسلحة، يُعتقد أنها مقربة من السائق، بنصب حواجز مؤقتة داخل السويداء واحتجاز ثمانية مواطنين مع سياراتهم، للمطالبة بإعادة السيارة المنهوبة.
تدخل حكومي وتعزيزات
قال وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، صباح اليوم، إن "غياب مؤسسات الدولة، وخصوصاً العسكرية والأمنية منها، سبب رئيسي لما يحدث في السويداء وريفها من توترات مستمرة، ولا حل لذلك إلا بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات بما يضمن السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها بكل تفاصيلها".
من جهتها، أكدت وزارة الداخلية في بيان لها، أن وحدات من قواتها، بالتنسيق مع وزارة الدفاع، ستبدأ "تدخلاً مباشراً في المنطقة لفض النزاع وإيقاف الاشتباكات، وفرض الأمن، وملاحقة المتسببين بالأحداث وتحويلهم إلى القضاء المختص، ضماناً لعدم تكرار مثل هذه المآسي، واستعادة الاستقرار، وترسيخ سلطة القانون".
وقالت الوزارة: "نُهيب بجميع الأطراف المحلية التعاون مع قوى الأمن الداخلي والسعي إلى التهدئة وضبط النفس. نؤكد أن استمرار هذا الصراع لا يخدم إلا الفوضى ويزيد من معاناة أهلنا المدنيين، كما نشدد على أهمية الإسراع في نشر القوى الأمنية في المحافظة، والبدء بحوار شامل يعالج أسباب التوتر، ويصون كرامة وحقوق جميع مكونات المجتمع في السويداء".
بدورها، قالت وزارة الدفاع إنها باشرت "بالتنسيق مع وزارة الداخلية، نشر وحداتها العسكرية المتخصصة في المناطق المتأثرة، وتوفير ممرات آمنة للمدنيين، وفك الاشتباكات بسرعة وحسم، وتؤكد الوزارة التزام جنودها بحماية المدنيين وفق القانون".
ودعت الوزارة "جميع الأطراف في السويداء إلى التعاون مع قوات وزارة الدفاع وقوى الأمن الداخلي، والتمسك بضبط النفس، فاستمرار التصعيد يزيد معاناة المدنيين"، موصية "العاملين في منطقة فضّ النزاع بالالتزام الكامل بالمهام الموكلة إليهم لحماية الأهالي، وإيقاف الاشتباكات، ومنع حدوث أي تجاوزات جديدة".
قوات الجيش تدخل المواجهة وتتعرض لكمائن
دخلت وحدات من الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي، صباح الإثنين، إلى مناطق متوترة في محيط مدينة السويداء، ضمن خطة تهدف إلى نزع السلاح وفرض الاستقرار بعد يومين من الاشتباكات العنيفة، غير أن هذا التدخل قوبل برد عنيف من قبل مجموعات مسلحة وصفتها السلطات بـ"الخارجة عن القانون"، حيث تعرضت القوات القادمة لكمائن وهجمات مباشرة.
وأكد مصدر عسكري في وزارة الدفاع السورية مقتل ستة جنود خلال محاولتهم فض الاشتباكات في محيط السويداء، في حين أظهرت مقاطع مصورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد لتنكيل بعض المسلحين بجثث عناصر الجيش.
ولا تزال مناطق عدة في أطراف السويداء تشهد اشتباكات متقطعة، بالتوازي مع قصف بقذائف الهاون، وسط محاولات من وحدات الجيش وقوى الأمن تطويق بؤر التوتر.
ونشرت معرفات حكومية صوراً ومقاطع تُظهر انتشاراً واسعاً لقوات وزارتي الدفاع والداخلية في محيط السويداء، ترافقه تصريحات متكررة بأن المهمة الأساسية لهذه القوات هي "حماية الأهالي" و"نزع سلاح المجموعات الخارجة عن القانون"، في إطار ما وصفته القيادة بـ"التحرك الحاسم لاستعادة الأمن".
وفي تطور لافت، أفاد تلفزيون سوريا بأن الطيران الحربي الإسرائيلي حلّق، اليوم الإثنين، في أجواء محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، وألقى بالونات حرارية فوق ريف السويداء الغربي، كما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن قواته "هاجمت عدة دبابات في قرية سميع جنوبي سوريا".