لبنان

بين صبر ترامب المحدود والتهديد بالحرب الأهلية... ماذا ينتظر لبنان؟

بين صبر ترامب المحدود والتهديد بالحرب الأهلية... ماذا ينتظر لبنان؟

انضم في الأيام الأخيرة كل من السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو والسفير المصري علاء موسى إلى دعم الخطاب الأميركي في ما يتعلق بورقة الأفكار التي حملها الموفد الأميركي توم براك إلى بيروت. يعكس ذلك ليس موقفا موحدا للجنة الخماسية فحسب، بل رسالة موحدة توجه إلى لبنان وتعطي زخما من جهة وتضغط من جهة أخرى على المسؤولين اللبنانيين من أجل عدم التعامل بخفة مع الموقف الأميركي والمماطلة في تنفيذ حصرية السلاح في يد الدولة وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. وتلاقي هذه المواقف المعلنة مواقف مباشرة ينقلها الزوار الديبلوماسيون وفي مقدمهم الجانب السعودي. إذ يستمع السفراء المعنيون في استطلاعاتهم إلى آراء مختلف القوى السياسية والمخاوف من تمييع قسري أو طوعي لتنفيذ كل ما هو مطلوب، وتقديرهم بضرورة ضخ جرعات تحذيرية علنية للبنان وعدم الاكتفاء بما ينقلونه مباشرة إلى المسؤولين، فضلا عن تحذير الحزب من مخاطر عدم التعاون، فيما التصريحات المتعددة التي أدلى بها الموفد الأميركي انطوت بالنسبة إلى أوساط سياسية مختلفة على أمرين مقلقين: الأول هو ما تحدث عنه عن "صبر" الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يمكن أن ينفذ سريعا، علما أن السياسيين المخضرمين لا يرون في ذلك خاصية لصيقة بترامب تحديدا، بمقدار ما هي لصيقة بالواقعية السياسية الأميركية في مختلف الإدارات المتعاقبة. وهذا عامل يمكن استغلاله وتوظيفه بسهولة من جانب الحزب، بحيث يسهل إبعاد الولايات المتحدة عن الاهتمام بلبنان كما يحصل راهنا. وابتعاد الولايات المتحدة أو ضمان تأمينها أمن اسرائيل ومصالحها فحسب كفيل بترك لبنان وحده بعد ذلك. ومن هنا الكلام على فرصة حقيقية للبنان معطوفة على فرصة توظيف ما حصل من إضعاف لكل من "حزب الله " وإيران والتغييرات الكبيرة في المنطقة. ولن ينجح لبنان في الانتقال إلى مرحلة جديدة من دون التزام أميركي متواصل يضغط على اسرائيل كما على الدولة اللبنانية وفق ما ورد في "النهار".

الأمر الآخر ينطبق عليه أيضا منطق التوظيف، وهو ما أثاره براك نقلا عن الرئيس جوزف عون إزاء مخاوفه من حرب أهلية محتملة إذا تمت مقاربة موضوع نزع سلاح الحزب بالقوة. وهذه نقطة أثارت جدلا سياسيا داخليا، فيما الموقفان المذكوران هما بمثابة ألغام قد تساهم في تحديد الاتجاهات ازاء ما هو مطلوب من لبنان.

السرية إزاء الأفكار الأميركية والرد اللبناني عليها، والتي برر بها الموفد الأميركي وصفه هذا الرد ب"المذهل"، هي نفسها التي تثير مآخذ سياسية في الدرجة الأولى على قاعدة عدم وجود شفافية إزاء اطلاع مجلس الوزراء ومجلس النواب عليها، كما أن الغموض حولها وما تكشفه بعض التسريبات الجزئية يزيد حجم الانقسامات والتفسيرات المتضاربة، ربما في انتظار أن تكشف إسرائيل عن المداولات الجارية كما دأبت على كشف كل مجريات الحرب وتفاصيل استهدافاتها. فهناك منطق واقعي يفيد بأن التفاوض لا يحصل علنا بل في غرفة مغلقة، إلا أن التحذيرات الديبلوماسية الخارجية المتوالية علنا وضمنا تفيد بأن ثمة مخاوف حقيقية لا تتم ملاقاتها . فلا يستهان ديبلوماسيا بكل السردية التي يسوقها الحزب رفضا لنزع سلاحه أو تأكيدا لاستعادة قواه والتي تقدم ذرائع لإسرائيل للاستمرار في احتلالها مواقع في جنوب لبنان او لاستهداف الحزب. فالأمر في القفز فوق نتائج الحرب على الحزب، ما أدى إلى إضعافه يشبه ما تذهب اليه ايران من اصرارها على رفض مبدأ التخلي عن تخصيب اليورانيوم على اراضيها التزاما لموقفها ما قبل حرب 12 يوما عليها في منحى تشديد أكثر. وفي مكان ما، وعلى رغم إصرار الدولة اللبنانية على أن الحزب التزم اتفاق وقف النار ولم يطلق النار على اسرائيل ، فهذا لن يعني انه لن يحاول استغلال ما ورد في اتفاق وقف النار في وقت ما لجهة أن لكل من البلدين "الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس"، فيما يزعم الحزب انه لن يضبط نفسه للابد، ولم يقدم اي شيء فعليا لتقوية موقف رئيس الجمهورية ازاء الاميركيين وازاء من يعتبرهم مزايدين داخليين .

لا يستهان كذلك بحجم الانقسام الداخلي وعدم قدرة السلطة على الجمع بين المتناقضات السياسية، فيما المطلوب هو قرار موحد يتيح الذهاب الى حصرية السلاح وفق جدول زمني مطلوب، ووضعه والتزامه بين جميع المكونات في مجلس الوزراء ، كما لقرار موحد يتيح الاصلاحات، وهذا غير متوافر . فهناك فرصة ودعم مستمران من الخارج للسلطة على قاعدة اعطاء فرصة لاقتراحاتها ومنطقها في التفاوض بينها وبين الحزب، لكن لا وتيرة السلطة في التحرك ولا مقاربتها كانت مريحة ايضا، في حين أن المراعاة الكبيرة للحزب وموقفه يخشى انها قد تساهم في احسن الاحوال في اجراءات لشراء الوقت على طريقة طمأنة الولايات المتحدة بعض الشيء وطمأنة اسرائيل الى امنها كذلك واتاحة البدء في اعادة الاعمار على خلفية انه لا بد من اعطاء شيء لبيئة شيعية تستعاد من خلاله من يد الحزب، فيما الواقع قد لا يعكس سوى ازاحة هذه الضغوط الكبيرة راهنا عن لبنان ورمي ما تبقى من مشكلات جدية بكنسها تحت السجادة اي اخفاء ما هو مطلوب بشكل جدي على أمل ألا يكتشفه الآخرون والا يتم رؤيته او غض النظر عنه كذلك مع الوقت بحسب "النهار".

يقرأون الآن