لم يكن الاتفاق الأخير في السويداء غير انعكاس لشرخٍ عميق يتسع يومًا بعد يوم، ليس فقط بين أبناء المحافظة والدولة السورية، بل داخل البيت الدرزي الواحد، حيث تصاعد الاختلاف بين الشيخ يوسف جربوع، أحد أبرز الزعماء الدينيين التقليديين، والشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي الأعلى لطائفة الموحدين الدروز في سوريا.
في أعقاب اشتباكات عنيفة دامت أيامًا، سقط فيها أكثر من 300 قتيل، أعلنت وزارة الداخلية السورية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ينص على نشر حواجز أمنية، وعودة مؤسسات الدولة إلى السويداء، ودمجها الكامل ضمن الدولة السورية. وخرج الشيخ جربوع، في كلمة متلفزة، ليؤكد التوافق مع الحكومة على "وقف جميع العمليات العسكرية"، وتنظيم حمل السلاح الثقيل، وتشكيل لجان مشتركة للمراقبة وتقصي الحقائق.
لكن هذه المبادرة لاقت رفضًا قاطعًا من الشيخ حكمت الهجري، الذي أكّد أن الاتفاق "لا يمثلنا"، وأن "القتال سيستمر حتى تحرير كامل تراب المحافظة من العصابات"، في إشارة إلى القوات السورية النظامية، التي وصفها بأنها فقدت شرعيتها. وأوضح الهجري أن "لا تفاوض ولا تفويض مع من أهان أبناء الجبل"، في إشارة مباشرة إلى ما حصل خلال اقتحام القوات الحكومية لعدد من بلدات السويداء، فقد تم حلق شوارب رجال وإذلال الأهالي، وهي ممارسات تعد في عرف وتقاليد الدروز إهانة لا تُغتفر.
هذه المشاهد المهينة كانت كافية لأن تدفع إسرائيل إلى التدخل، معلنة أنها "لن تسمح بإهانة الدروز على حدودها"، لتشنّ غارات جوية عنيفة على مقر وزارة الدفاع في دمشق وهيئة الأركان العامة، في تحرّك غير مسبوق بزعم "حماية المكوّن الدرزي".
وهكذا، تقف السويداء اليوم بين نارين: سلطة تفرض الحلول بالقوة وفق البعض، وتدخل خارجي يزعم الحماية، وصوتان متنافران داخل البيت الواحد، في وقت هي فيه بأمسّ الحاجة إلى وحدة الكلمة وصلابة الموقف.