سوريا آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

بين باريس والسويداء.. هل بدأ الدروز التمهيد لـ "حكم ذاتي"؟

بين باريس والسويداء.. هل بدأ الدروز التمهيد لـ

بالتزامن مع تسريبات تفيد بأن مخرجات اجتماع باريس الأخير، الذي جمع وزيري الخارجية الفرنسي والسوري والمبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك، انتهت إلى موقف يدفع باتجاه اعتماد اللامركزية في سوريا، وصولًا إلى صيغة إدارة ذاتية في السويداء، على خلفية انسداد الأفق السياسي بين سلطة دمشق والدروز؛ تأتي الخطوات على الأرض لتؤكد هذه التسريبات، حيث تشهد المحافظة الجنوبية تحركات باتجاه "الانسلاخ" الإداري عن المركز في العاصمة.

التغيير "حتمي"

مصادر سياسية متابعة لاجتماعات باريس، قالت ن اجتماع باريس أكد على حتمية التغيير في شكل النظام بسوريا؛ مضيفة أن الأحداث الأخيرة في السويداء أرخت بظلالها على الاجتماعات، حيث تم إبلاغ وزير الخارجية السوري بأن "التفرد والاستئثار بالسلطة" لم يعد ممكنًا، وأن المطلوب لاستقرار سوريا هو مشاركة كل المكونات السورية في السلطة.

وتلفت المصادر إلى البيان الصادر عن الاجتماع الثلاثي، والذي يقول في بنده الثاني: "دعم الحكومة السورية في مسار الانتقال السياسي الذي تقوده، بما يهدف إلى تحقيق المصالح الوطنية وتعزيز التماسك المجتمعي، لا سيما في شمال شرق سوريا ومحافظة السويداء". وتوضح المصادر أن هذا البند ذكر السويداء وشمال شرق سوريا تحديدًا كمناطق لبدء مسار سياسي قائم على اللامركزية، لكن هذا لا يعني أن المناطق الأخرى ستكون بعيدة عن هذا المسار، حسب قولها.

وتشير المصادر إلى أن اللقاء الذي جمع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مع رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، تطرّق بشكل أساسي إلى مسألة نزع السلاح في الجنوب السوري (السويداء ودرعا والقنيطرة)؛ حيث تُصرّ إسرائيل على منع الأمن العام أو قوات وزارة الدفاع السورية من الدخول إلى المنطقة، فيما سينتشر أمن عام محلي من أهالي هذه المناطق، تحت المراقبة والنفوذ الإسرائيلي. وقالت المصادر إن "الشيباني، ممثلًا عن حكومة دمشق، وافق على كل ما سبق، والأيام القادمة ستؤكد ذلك"؛ على حد وصف المصادر.

 تحركات على الأرض

في مقابل التحركات الدبلوماسية، ثمة حركة على الأرض في السويداء تشير إلى توجه المدينة نحو الابتعاد عن المركز؛ حيث أعلنت نقابات مهنية ومدنية عدّة في محافظة السويداء عن قطع علاقاتها مع النقابات المركزية في دمشق، احتجاجًا على ما وصفته بـ"تجاهل" الحكومة المركزية للأحداث الأخيرة التي شهدتها المحافظة، وصمتها حيال الانتهاكات بحق المدنيين.

وجاءت البداية مع نقابة المهندسين الزراعيين – فرع السويداء، التي أصدرت بيانًا نعت فيه أربعة من أعضائها قُتلوا في الهجوم على السويداء، وهم: المهندس أنيس ناصر، المهندس عدنان الأوس، المهندس رجا العبد، والمهندس رياض دويعر. وأعلنت وقف التواصل مع النقابة المركزية إلى حين "زوال السلطة الحالية وإقامة سلطة تمثل الشعب السوري وتصون كرامته"، وفق تعبيرها.

وتوالت بعد ذلك بيانات المقاطعة من نقابات أخرى، أبرزها نقابة المعلمين في السويداء التي أعلنت "استقلالها عن السلطة المركزية"، معتبرة دمشق "شريكة في الدم"، ولفتت في بيانها إلى أن طلاب المحافظة لم يتمكنوا من التقدّم لامتحانات الشهادة الثانوية، رغم ما بذله المعلمون من جهود في حمل رسالة التعليم.

في السياق ذاته، حمّلت نقابة الصيادلة (فرع السويداء) الحكومة السورية مسؤولية "حرمان المرضى من حق الحصول على الدواء"، وأعلنت قطع علاقتها مع النقابة المركزية التي اتهمتها بـ"التحيّز للسلطة"، في بيان نشرته الأحد 27 تموز.

كما انضمت نقابة العمال ونقابة الأطباء البيطريين في السويداء إلى خطوات المقاطعة، معلنة وقف التواصل مع النقابة الأم.

من جهته، أعلن مجلس فرع نقابة المحامين في السويداء استقالته جماعيًا، في خطوة احتجاجية على ما وصفه بـ"الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين" في المحافظة.

وتأتي هذه التطورات في سياق تصاعد التوتر في السويداء على خلفية الاشتباكات التي اندلعت مؤخرًا بين مجموعات من الفصائل المحلية وعناصر من العشائر البدوية وقوات الأمن العام، والتي أودت بحياة ما لا يقل عن 814 شخصًا، بينهم 34 سيدة و20 طفلًا، بالإضافة إلى 6 من الكوادر الطبية و2 من الإعلاميين، بحسب توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي أحصت كذلك أكثر من 903 جرحى.

وترافق التصعيد مع تدهور الأوضاع الإنسانية في المحافظة، وسط نقص حاد في المواد الغذائية وانقطاع للخدمات الأساسية، ما زاد من حدة الغضب الشعبي وأشعل حراكًا نقابيًا وتصعيدًا غير مسبوق في المحافظة.

لجان لإدارة المحافظة.. وتراجع

تزامن ذلك مع صدور بيان عن الرئاسة الروحية للموحدين الدروز في السويداء، أعلنت فيه إنشاء "لجان قانونية وإنسانية" لتسيير شؤون المحافظة، وتعيين مروان رزق متحدثًا رسميًا باسمها، في خطوة اعتُبرت بمثابة تأسيس لإدارة محلية موازية. لكن الرئاسة الروحية عادت وحذفت البيانين بعد أقل من 24 ساعة.

وكان البيان المحذوف قد تضمّن إنشاء "لجان قانونية وإنسانية" لتسيير شؤون المحافظة، في ظل غياب المؤسسات الرسمية، عقب ما شهدته السويداء من مواجهات عنيفة خلال تموز/يوليو، خلّفت مئات القتلى والجرحى.

كما حُذف بيان تعيين "رزق" متحدثًا باسم الرئاسة، بعد ساعات من تعرضه لانتقادات حادّة من نشطاء وشخصيات دينية، اتهمته بـ"الاستئثار بالقرار" و"تجاوز الأعراف الروحية".

ولم تصدر الرئاسة الروحية أي توضيح رسمي حتى الآن، ما فتح الباب أمام التأويلات، وسط دعوات لتوحيد الصف داخل الطائفة وتجنب الانزلاق نحو فراغ إداري وأمني جديد في المحافظة.

 اللامركزية .. "حل وحيد"

المتحدث باسم الطائفة الدرزية في السويداء، مروان رزق، خرج بتصريحات حادة أكد فيها أن اللامركزية هي السبيل الوحيد لتمكين أهالي المحافظة من إدارة شؤونهم بأنفسهم بعيدًا عن سلطة دمشق.

وقال رزق في بيان صحفي إن ثقة أهالي السويداء بسلطات دمشق منعدمة، داعيًا إلى إقالة رئيس سلطات دمشق أحمد الشرع، معتبرًا أن هذه الخطوة باتت ضرورة ملحّة استجابةً لمطالب أبناء السويداء في إحلال الأمن والأمان وتقديم الإغاثة بشكل عاجل.

وأشار المتحدث باسم الطائفة الدرزية إلى أن أهالي السويداء يرغبون في العيش ضمن دولة وطنية تحفظ حقوق جميع مكوناتها دون تمييز، كاشفًا في الوقت ذاته عن محاولة اغتيال تعرض لها عبر طائرة مسيّرة تابعة لقوات سلطات دمشق.

وأكد رزق أن التحركات الحالية في السويداء تأتي ضمن مساعٍ أهلية لإيجاد حلول واقعية تحفظ أمن واستقرار المحافظة وتلبي تطلعات أبنائها. 

يقرأون الآن