أثارت وفاة الشاب يوسف لباد في دمشق جدلاً واسعاً، بعد تسليم جثمانه لذويه وسط ظروف غامضة وتباين في الروايات الرسمية والأهلية.
يوسف لباد (31 عاماً) من حي القابون، غادر سوريا عام 2012 إلى ليبيا ثم استقر في ألمانيا. يقول قريبه المقيم في ألمانيا لموقع تلفزيون سوريا إن يوسف قد نذر أن يعتكف ثلاثة أيام متواصلة في الجامع الأموي حال سقوط نظام الأسد، وفور التحرير بدأ التحضيرات للعودة حتى وصل يوم الأحد 26 تموز الجاري، مضيفا أنّ يوسف دخل الجامع الأموي حاملاً حقيبتين كبيرتين وحقيبة ظهر أودعها في الأمانات، ليبدأ بتنفيذ نذره.
وانتشر في مواقع التواصل الاجتماعي فيديو كان يوسف قد أرسله لوالدته من ساحة الأمويين في دمشق عبّر فيه عن سعادته بالعودة إلى سوريا.
في ساعات المساء من يوم الأحد، تواصل يوسف مع زوجته مطمئناً على أولاده (شام، والتوأم هشام ويمان تولد عام 2021) وكانت هذه المكالمة آخر تواصل له مع أسرته. إذ حاولت والدته وزوجته وإخوته الاتصال به مراراً، وأرسلوا له رسائل عديدة وصلت جميعها إلى هاتفه، لكنه لم يجب.
مساء الإثنين، تلقّت الزوجة اتصالاً من ضابط أخبرها فيه بوفاة زوجها، لكنها في البداية لم تتوثق من المعلومة فأرسل لها صورة جثمان يوسف ليثبت كلامه، مضيفا أن سبب الوفاة "جرعة مخدرات عالية".
وتوجهت عائلة يوسف في دمشق إلى مشفى المجتهد حيث قيل إن الجثمان نُقل وقيل لهم إن الوفاة ناتجة عن "تسمم"، وأنه سيتم أخذ عينات دم لفحصها.
لكن عند استلامهم الجثمان لاحقاً، قالت العائلة إنها شاهدت على الجثمان آثار ضرب اعتبرتها دليلاً على تعرضه للتعذيب، ما دفعهم للشك برواية "المخدرات" التي قدّمها الضابط، وأصروا على المطالبة بفتح تحقيق.
وعقب تداول صور جثمان الشاب في مواقع التواصل الاجتماعي وحالة الغضب توجه وفد من وزارة الداخلية إلى موقع العزاء المقام للشاب في القابون حيث التقى عائلة الشاب مؤكدا على استمرارية التحقيقات في الحادثة، مع إحالة جميع من كان موجودا في موقع الحادث من عناصر الأمن والشرطة وحرس المسجد إلى التحقيق للوقوف على جميع ملابسات القضية.
أول بيان رسمي حول حادثة وفاة الشاب يوسف لباد
وبالتزامن مع الزيارة، أصدرت وزارة الداخلية السورية عبر حسابها الرسمي على فيس بوك أول بيان لها تعقيباً على الحادثة المؤسفة التي وقعت للشاب يوسف اللباد داخل المسجد الأموي بدمشق.
وجاء في البيان على لسان قائد قوى الأمن الداخلي في محافظة دمشق، العميد أسامة محمد خير عاتكة: "في يوم الثلاثاء بتاريخ 29 من الشهر الجاري، وردت تقارير عن شاب في حالة نفسية غير مستقرة، حيث دخل المسجد الأموي وهو في حالة من عدم الاتزان وبدأ يتفوه بعبارات غير مفهومة، كما وثّقت كاميرات المراقبة داخل المسجد".
وذكر أنه جرى "التعامل مع الحالة من قبل عناصر حماية المسجد، الذين حاولوا تهدئته ومنعه من إيذاء نفسه أو الآخرين. وأثناء وجوده في غرفة الحراسة، أقدم على إيذاء نفسه بشكل عنيف عبر ضرب رأسه بأجسام صلبة، ما تسبب له بإصابات بالغة".
وأضاف: تم الاتصال بالإسعاف على الفور، إلا أنه فارق الحياة رغم محاولة إسعافه، مؤكدا العمل على إجراء تحقيق شامل وشفاف للكشف عن جميع الملابسات المحيطة بالحادثة.
المحامي العام بدمشق يؤكد الوفاة في مفرزة أمنية
أكد المحامي العام بدمشق، القاضي حسام خطاب، وفاة الشاب في مفرزة حراسة تتبع للأمن الداخلي، مشددا على حيادية وشفافية التحقيقات الجارية بشأن وفاة الشاب بالقرب من الجامع الأموي في دمشق، وأنّ الإجراءات القانونية اللازمة ستتخذ وسيتم محاسبة أي متورط في حال ثبوت وجود فعل جرمي، التزاماً بمبدأ سيادة القانون.
وأعلن خطاب في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية سانا بدء تحقيق أصولي بإشراف النيابة العامة بقضية وفاة الشاب، في حين تم تشكيل لجنة طبية ثلاثية من الأطباء الشرعيين والأخصائيين للكشف على الجثمان وتحديد سبب الوفاة، لافتاً إلى أن التحقيقات مازالت مستمرة بانتظار تقرير اللجنة الطبية.
أما وزير العدل السوري مظهر الويس، فقد عبّر عن تفهم الحكومة للغضب الذي يبديه المواطنون تجاه حادثة وفاة الشاب يوسف مؤكدا الالتزام بمحاسبة كل من يثبت تورطه في هذه القضية من دون أي محاباة أو تهاون.
وأكد توجيه النيابة العامة لأخذ دورها في التحقيق في هذه القضية، ومتابعة الإجراءات القانونية اللازمة لضمان محاسبة المتورطين. وختم: "لا أحد فوق القانون، ولن يفلت أي متورط من العقاب إذا ثبتت إدانته".
الداخلية: شهود راقبوا سلوك الشاب منذ لحظة دخوله الجامع
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا إن المعلومات الأولية لواقعة وفاة الشاب يوسف، تشير إلى حالة غير متزنة كان يمرّ بها منذ دخوله إلى الجامع الأموي لأسباب مجهولة، نافيا أن تكون الحالة قد حصلت في أماكن مغلقة بل حصلت في مكان مفتوح فيه عشرات الشهود الذين راقبوا سلوك الشاب منذ لحظة دخوله إلى لحظة دخلت العناصر المفروزين لحماية الجامع.
وتابع أن الأمر لم يأخذ ساعات كما أشيع، مشددا على أن الشاب لم يؤخذ إلى أي فرع أمني، وأن سبب الوفاة الحقيقي سيظهر فور صدور التقرير الشرعي.
ولفت المتحدث باسم الداخلية إلى أن الشاب دخل في مشادات مع المواطنين داخل الجامع وتكلم بكلام غير مفهوم، في حين حاول المواطنون تهدئته إلا أنه أغمي عليه ثم صحا من الإغماء ليدخل في مشادات جديدة واستمرت حالة الإغماء والعودة للوعي عدة مرات وفي كل مرة يصبح سلوك الشاب أكثر عدائية.
وعندما شعر المواطنون بوجود حالة خاصة، استدعوا رجال الأمن الموجودين على باب المسجد والذين حاولوا بدورهم إخراجه من الجامع لكنه ردّ بالتهجم على الحرّاس مع محاولة سحب سلاحهم، ومنعا لتفاقم الحالة وضع العناصر الأصفاد في يدي الشاب من جهة الأمام، لكنه دخل في حالة هياج أكبر وأغمي عليه مرة أخرى، وفقا لـ "البابا".
ووضع الشاب في غرفة الحرس وهناك دخل في حالة هياج شديدة تفوقت على المرات السابقة وبدأ بإيذاء نفسه عبر ضرب الرأس في الجدار وركل محتويات الغرفة وهنا تواصل العناصر من سيارة إسعاف لنقل الشاب، وفي هذه الأثناء أغمي عليه مجددا
وحاول العناصر إعادته لوعيه، لكنه بدأ في إخراج زبد من فمه ليتوفى في ذات الموقع.
وفي حين تتعدد الروايات حول ظروف وفاة يوسف لباد، تؤكد جميع التصريحات الرسمية أن الأسباب النهائية للوفاة ستُعلن بشكل واضح عقب انتهاء التحقيقات الجارية في الحادثة.